الأحد، 29 ديسمبر 2013

قائمة مشتريات السنة الجديدة




أريد أن أشتري سلاحاً آلياً ..

أفرغ كل يوم خزانته في منصف جباه أطياف وهمية، لأعود وأشفق علي البشر كلهم –الأشرار قبل الصالحين لأنهم معذبون داخلياً وأبداً- بعد أن أكون قد أفرغت غضبي.

وأريد تنيناً من النوع الذي ينفث نار لأربيه في حديقة قلعتي ..

وأربع سحابات قابلة للإمطار وإعادة الشحن .. ستفيد كثيراً في حالات الكبت والبكاء والحر والرغبة في الاغتسال والتطهير.

وكوب قهوة لاتنفذ منه قهوته ولا تبرد ولاتسبب سرعة في ضربات القلب.

وكائن يملك أذن واحدة كبيرة مكان أنفه لأري كلامي وهو يعبر ليستقر في رأسه.

وكائنة تمتلك عين بأهداب طويلة ونشاط في الغدة الدمعية وابتسامات متنوعة.

وقلم يفهم ترددي ويكتب حتي لو سحبته كطفلة لاتريد أن تدخل الفصل وتمسك بزيل فستان والدتها.

وعطر يتلون برائحة ماأحن إليه.

وذاكرة لاتخدعني بزريعة حمايتي من الألم.

وروايات صالحة للأكل وسهلة الامتصاص.

وساعة يمكنها توقيف الوقت .. ولا تعود للماضي أبداً.

وجهاز لاسلكي يمحو خاصية الأحلام، ولديه خاصية بث الأفلام للمخ أثناء النوم بدلاً منها.

وحذاء رياضي يمكن أن يتحوّل لحضن كبير ليحتويني إذا تهت أو وسط الزحام.

وحذاء كلاسيكي يجيد كل رقصات الصالونات.

ومجموعة فساتين سهرة بعدد ايام السنة للمنزل للنوم.

وبدلة زرقاء كالتي لأبطال "فانتاستيك فور" للخروجات اليومية.

واشتراكات سنوية لكل أطفال الشوارع في مطاعم الوجبات السريعة.

وزيوت عطرية لكل فتيات الأرض.

وتشكيلة من الجِبن .. كل أنواع الجبن.

ومشغل أسطوانات يفرض الرقص والتمايل مع مُشغليه، علي أن يختار مقطوعاته واغانيه تبعاً لحالتهم النفسية.

وحمام سباحة يحتوي علي دولفين.

وأب روحي من فصيلة كلاب الحراسة.

وألوان ... كل أنواع ودرجات الألوان.

ومرسَم لكل منكوبي العالم.

ودولاب يرتب نفسه ذاتياً.

وطائرة شراعية تطير بلا وقود.

ويقارب يقاوم الخوف من الابحار.

ووسادة لايزعجها وخز الأقراط.

ولجام.








الأربعاء، 27 نوفمبر 2013

ذات





*كنت هاكتب أن الرأي غير موضوعي وغير محايد علشان ماقرتش الرواية .. بس بقيت حد –بقث في ذوقه الأدبي- قرا الرواية ليه نفس التعليق
https://www.goodreads.com/review/show/671571060
 فتوكلت علي الله. :)



*المسلسل دا كسر قاعدة قوية اعتنقها .. ألا وهي "أي عمل أدبي يتعمل دراما، فيالعمل الأدبي أحسن وأجدر بالاتفات بل يجب مقاطعة الدراما تماماً لو في نية لقراءة العمل أو سبق قراءته، لأن الصرف علي الخيال هايكون أعظم بما لايقاس من أي انتاج سنيمائي أو تليفزيوني .. كمان الرقابة بتفرض حاجات مش بتتفرض علي الأدب، وكذلك ظروف الإنتاج وتوجهاته .."
لكن المسلسل دا بالنسبة لي أروع بكتير من لو كنت قريت كل تفاصيله .. أقل حاجة علي سبيل المثال أزاي كان هايحسسني بإعلانات التليفزيون والأغاني وهي شغالة في خلفي حوار الشخصيات ؟؟ كان هايكتب (وتدور في الخلفية أغنية كذا كذا) ؟؟ يبقي فصيل الصراحة
:D
بالأضافة لتفاصيل اللبس والسكوت والكلام .. وحاجات تاني هاقولها في اللي جاي.



*المسلسل مافيهوش قصة! .. وكذلك أكيد الرواية .. قصة قصة "كل" بيت مصري بلا استثناء.. زي ماحد يجيب يقولك هاحكيلك قصة "مرة واحد صحي من النوم غسل وشه وراح الشغل ورجع اتغدي ونام وصحي اتفرج علي التليفزيون ونام" أيوة فين القصة بقي ؟؟ هي دي القصة .. قصتنا كلنا .. كلنا عندنا في عائلتنا المهاجر اللي بيحب البلد وعايز يرجع، والمهاجر اللي ساب البلد ومش طايقها .. واللي مات في حادثة واللي بيحكلنا عن أيام الحرب، واللي واللي .. أمال إيه لزمة المسلسل؟



*المسلسل بيعمل توثيق بديع لمصر من 1952 إلي 2011 توثيق جميل! كل مرحلة بمشاكلها وبخاصائصها بفنها باراءها ... والمعلومة لما توصل في الدراما غير لما توصل كخبر، الإدراك بيبقي مختلف .. يعني علي سبيل المثال :
خالتي بتحكيلنا أن عمارة كاملة –اللي في هليوبوليس- اللي وقعت في زلزال 92 كان فيها واحد صاحب مايكل –ابن خالتي- والأتوبيس وصل لحد هناك لقي العمارة واقعة خد الولد رجع بيه المدرسة.
الخبر دا لما اسمعته ماعيطش ولا انهرت .. اتأثرت بس عادي.
لما شفت في المسلسل أن صاحبة ابتهال كانت فيها وماتت هي وأخواتها عيطت جداً وأتأثرت جداً جداً وحسيت بالفاجعة.
ليه في فرق  في التأثر رغم أن الخبر هو هو بكل تفاصيله، بالعكس الأول بالنسبة لي واقعي 100% ؟؟ هو دا تأثير الدراما.




*ملحوظة: المسلسل دا شحتفني أكتر من أنفلوانزا الصيف.



*موضوع الأتوبيسات اللي بيدخل فيها قطورات عند المزلقانات دا طلع قدييييييييم !! .. لو في مصر جمعية اسمها "جمعية الحفاظ علي تراث دخول القطارات في أتوبيسات الأطفال عند المزلقانات" .. فالجمعية دي أنجح مؤسسة في مصر، لأن الزمن مش مأثر فيها .. يعني موضة القصير والشارلستون راحت .. والموضوع دا مارحش .. لأ بجد إحنا مدهشين.



*التفاصيل! .. التفاصيييييييييل !! .. مش ممكن الاتقان في التفاصيل !! .. لوجو بيبسي اللي شكلة اتغير علي صناديق الحاجة الساقة علي مر الزمن .. ولوجو القناة الأولي علي التليفزيون .. شنط السفر المتخزنة فوق الدولاب .. الصور وورق الحيطة .. المجهود باين جداً في المحافظة علي الفاصيل مش زي أفلام هليوود القديمة اللي بيظهر في الخلفية طيارة :D
براااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااافو!




*بعد الإشادة السابقة مش قادرة اسامح المصور علي مشهدين .. مشهد الأسرة كاملة علي سفرة الأكل متكدسة علي 3 أضلاع علشان الكاميرا تصور من الضلع الرابع .. ونفس الفكرة في الحلقات الاخيرة علي تربيظة القهوة .. مش قادرة اسامح لأ .. ليناردوا دافينشي بجلالة قدره لحد دلوقتي ماحدش مسامحه علي صورة العشاء الرباني علشان نفس الغلطة .. اسامح أنا ازاي !! أزااااااااي !! :D




*فكرة أن الأسرة الواحدة فيها كل الأفكار والتوجهات علي المتسوي السياسي والديني وكل حاجة .. فيها (الأخواني- والثوري – والفلول – والناصريين – و ....) وبيختلفوا وبيتخانقوا من قبل الثورة ويقاطعوا بعض كمان! .. بيجمعهم سرير مستشفي لحد غالي عيان .. ومنها هاننتقل للنقطة الجاية.




*المصريين كل ظروف حياتهم مأساوية جداً، ومش منطقية أبداً .. بس عايشين بالحب وستر ربنا .. الله يمسيك بالخير يامرسي:D
منها ننتقل للنقطة التالية ...




*لو في شك أن المواطن المصري دا هايدخل (الملكوت/الجنة) حدف .. فالمواطنة المصرية لاشك في دخولها واستقرارها لأنها "قد استوفت البلايااااااااااااااااااا" ..





*(مشهد بكاء "ذات" في الحمام) .. بس كدة .. عبقري جداً جداً جداً دا في مرة اتكرر فيها !! .. فكرة أن الكاميرا ترصد واحدة بتعيط في الحمام كذا دقيقة من غير كلام دي عبقرية مخرج –ومخرجة .. علشان اشترك في الاخراج كاملة أبو ذكري وخيري بشارة- ماحدش بيتكلم ولا بيقول هي بتعيط ليه .. ولا حتي الصوت الداخلي الموجود طول المسلسل .. مشاعر الذل والقصر وقلة الحيلة بتوصل أبلغ من أي كلام .. وكل ما الوقت بيطول بتيجي فكرة تاني للمشاهد عن سبب من أسباب العياط  .. بيدي للمشاهد فرصة يفكر مع نفسه في الشخصية مشاكلها ويتعاطف معاها .. عبقرية جداً .. وفي الحلقة اللي قبل الأخيرة تقريباً لقيتها بتتكرر تاني .. فعرفت أنها مش صدفة .. دا اتفاق بين كاملة وخيري ;)




*عاجبني اختلاف الأراء للشخصيات في نفس المواضيع مع اختلاف الزمن .. دا اللي بيحصلنا في الحقيقة .. مش طريقة الدراما الكارتونية أن كل شخصية تتبني موقف للنهاية علشان المشاهد مايتلخبطش.




*الراجل المصري في المسلسل: تحية للكاتب والنخرج والممثل اللي اشتغلوا علي شخصية "عبده" .. رائعة جداً جداً .. دايماً في الدراما الساذجة بيبقي الراجل ياإما طيب ولطيف وفتي أحلام .. يا إما وحش كاسر بيشخط وينطر ويكسر ماحدش عارف ليه! بس لازم يبقي شرير وتكرهه علشان الخط الدرامي وتتعاطف مع البطلة ..
بس هنا عبده كان هو الراجل المصري .. اللي بيطفي التليفزيون لما يدخل ويزعق علشان اللي بيشوفه برة .. واللي بيشيل حماته فوق دماغه من فوق رغم أنه بيتخنق منها أحياناً .. واللي بيحب أم العيال ومش فاهمها .. وبيلوم عليها طول الوقت ومايسنحملش الهوا يمسها .. اللي في فرح بينته مش عارف يتكلم وبيحكي قصة لما جالها الغدة النكافية .. واللي بيفضل شايل هم بنته وأحفاده حتي بعد جوازها .. اللي بيزعق للبنات ويضربهم لما طالبوا فديو .. وبعدين يدخل يعيط معاهم وهما بيشرحلهم ليه مش هايقدر يشتريه .. اللحظة دي من كتر ما أثرت فيّ كان نفسي أروح أجيب ذات من المطبخ علشان تشوف جوزها في لحظة زي دي :D




*شخصية انتصار كمان عبقرية! .. وأحب أضيف أن المكياج واللبس بتوعها كانوا متقنين لدرجة رائعة .. لما كبرت مش مسكرة بيضا ونضارة وخلاص! .. مش عارفة ازاي عملوا عنيها وخففوا حواجبها وأسنانها كأنها مش موجودة!
وهكذا جسم الممثلين لما بيكرشوا ويتخنوا ...



*أخيراً المشهد الاخير لما الثورة بتقوم وهي بتبقي واقفة قدام عمارة تحت الإنشاء دي عبقرية .. مشهد مافيوش كلام ولا حركة بس هي دي العبقرية.



برافو :)


الأحد، 20 أكتوبر 2013

لو لم أكنْ بشريّاً .. لوددت أن أكون كانيلوني


يارب .. لو كنت لم تخلقني إنساناً، لوددت أن أكون كانيلوني ..
أجل يارب تلك العجينة الرقيقة .. يرفعها الخباز ويدورها في الهواء ..
يلتقطها ليرفعها .. يمر عليها بنشابته ليرققّها .. يرفعها ويلقلبها ويمدها ويغيرها،
وأبداً لايقطعها .. أبداً.

ياخبّازي العظيم الذي تملأ أنفاسه الطبيعة وتمنحها الحياة،
عد واصنعني فطيرة كانيلوني بشريّة شهيّة بأنفاسك العطرية الأبدية ..

ياخبّازي المحترف والذي لايخرِق فطائرة أبداً .. كيف تمسكها .. ترفعها .. تُطيّرها ..
وهي الرقيقة جداً من بسطها بخشبتك الناعمة .. ولا تجرحها !

تحشونا من لدنك خلطات جمال متنوعة .. متنوعة وليست مختلفة .. لا اختلاف
حشوة السكر لذيذة .. حشوة الفاكهة لذيذة .. حشوة الجبن لذيذة .. حشوة الزبد لذيذة .. كل ماتصنعه حلو وإن لم يكن "حلواً".
تتشابه فطائرك في هيئتها، لكنك لاتكرر إبداعك فينا !

ياخبّازي الذى ذاته أشهي من مصنوعاته .. أخجل أن أخبرك أن حشوّك الداخلي داخلي .. تعفن.

أخجل وأسرع لتستبدل عفونتي بصلاحك.

حسناً ياخبّازي العظيم .. دعني –كعادة الإنسان- ألقي اللوم علي غيرى أمامك،
بل ربما ألقيت اللوم عليك أيضاً !
لماذا تسمح لغيرك أن يضع بصماته الآثمة علي ما أنت صانعه ؟
ولماذا تسمح لغيرك أو للفطيرة نفسها بتعديل الحشو ؟
ياحُراً مبدعاً .. أليس في بعض الحرية عفن !
أعود وأطلب الحرية بعد رفضها .. ثم أرفضها من بعد فوضي أثارها .. ثم أقبلها فأرفضها فأرفضها فأقبلها .. فأقبلك كشريك حريتي.

إلقْني في نارك فأنضج ولا احترق .. أصير أسهل للأكل لا أكثر انتفاخاُ فحسب
واعطني لطفل فقير يرتجف في ليلة شوية بمعدة خاوية .. فأنا اعلم أنك لاتطعم موائد المتكبرين وتصرف الأغنياء فارغين .. فأفني فيه فيك فأخلد للأبد في ابتسامة امتنانه.





الأحد، 15 سبتمبر 2013

أزمة الربع قرن




"الجميل، القيّوم، الرحمن الرحيم. أثناء المجاعات والفياضانات وخلال الجفاف والظمأ، سأغني وأرقص له حتي تخور ركبتاي، حتي ينهار جسمي، وحتي يتوقف قلبي عن الخفقان. سأحطّم نفسي إلي شذرات حتي لا أعدوا إلا مجرد ذرة في العدم، عابر سبيل في الفراغ المحض. هباء الهباء في هندسته العظيمة الرائعة. ولن أكفّ عن امتداح عظمته وكرمه بامتنان، وسعادة. سأشكره على كل ما منحني إياه وماحرمني منه، لأنه يعرف ماهو الأفضل لي"
من رواية قواعد العشق الاربعون

"أُحِبُّكَ يَا رَبُّ، يَا قُوَّتِي"
(مز1:18)





"وقولي هاه ... نفسك في إيه؟؟
اسكت واتهته... وأقول رضاك
يقولي تعبت وللاإيه ؟؟
أقوله خليني أفضل معاك
يحضني جامد مرة واحدة
واللي خسرته فالف دور
يدهوني فضمة واحدة"

الجمعة، 7 يونيو 2013

فارسة الشمس





     لم تكن تعرف أن هذا اسمها .. لو أن اسمها بصفتها فأغلب ظنها أن سمها "فارسة الشمس" .. أو ربما "معبودة الشمس" .. أجل فهى المسئولة عن امتطاء الشمس يومياً والرمح بها فى فضاء السماء ثم إعادتها لمكمنها من الباب الخلفى بسلام.

          تنتظر كل يوم ذلك القرص الصغير كرغيف مقدد، حتى يخرج من حظيرته باهتاً منطفئاً فتستيقظ وتمتطيه كدابة أليفة .. فإذا به يتوهج ! .. يتوهج جداً حتى يجبر القمر على العودة لمنزله منزوياً .. أحداً لايلحظ انسحابه .. لا أحد ! .. حتى الشعراء والفنانين المتكرسين لمراقبة ظهور وانسحاب الشمس والقمر يُأخَذون بالأولى فينسون تسرب الثانى تماماً.

     لون الشمس من لونها .. اشعتها تنتصب مقلداً بتلاتها .. تشعر بعبء ومسئولية يثقلان فرعها الأخضر .. لماذا هى دون كل الزهور المُكلفة برعاية الشمس وقيادتها يومياً لتحرث السماء ؟؟ .. تفكر .. كم عمر هذة البقعة الضوئية ؟؟ .. لماذا هى صغيرة لاتكبر ؟؟ .. لماذا هى ثابتة وليست متجددة مثلها ؟؟ لماذا لاتسكن إلا فوق الحقل التى هى ملِكتَهُ ؟؟

   يزداد احساسها بالهمّ والمسئولية مع زيادة وطأة رغبتها فى أجازة ! .. أجل غداً لاتريد أن ترفع وجهها وتفرد بتلاتها وتقود الشمس .. هل يوجد منها زهرة أخرى تستطيع أن تحل محلها فى وظيفتها ؟؟ .. لاتعتقد .. ربما هناك شموس أخرى تائهة لاتجد من يقودها فتشرد فى صحراء الفضاء وتنطفئ .. أما هى فهى فريدة جداً .. وإلا لو كان هناك أخرى منها لتركتها الشمس وراحت للأخرى. 


     تضجر وتقرر أن لاتؤدى دورها العظيم ليوم واحد .. تشعر فى غفوتها بجلدة حر الشمس على ظهر أوراقها المطوية .. تتعجب ! .. تُؤخذ باندهاش ! .. تحاول أن تفهم كيف هربت الشمس من دون مُروضتها، لكن .. لايُمهلها الجفاف والتيبُس إدراك أى شىء.

الثلاثاء، 30 أبريل 2013

"بأتنين ونص..."





رغم أن الفضائيات ونظام الحياة وإمكانية تنزيل الأفلام على الحاسوب .. كل هذا جعل كل الأيام مناسبة للمشاهدة، وأفقد يوم المتعة والترفيه رونقه .. إلا إنه هاهو ذا، إنه الخميس ! .. ترد "ريهام" .. "واللبّ والأحلام فى كيس". هكذا ردها دائماً منذ خطبتهما حتى الآن، تعشق جاهين وتحفظ قصائده، خاصة قصيدة "يوم الخميس". سلّما أولادهم طقس تقديس الخميس لمشاهدة الأفلام والمرح .. واليوم هو هو.
يجلس "العفاريت" -كما يسميهم- على سجادة الصالون .. يستندون بظهورهم إلى الأريكة التى يجلس هو عليها. تجلس سلمى –الوسطى- فى قفص وهمى، قضبانه من ساقى أبيها.. تتشبث بشدة بقدماه وتستند رأسها على ركبته بينما يلعب هو بخصلاتها الناعمة. "سامر" و "سامى" –الأكبر والأصغر- يلهوان بقطارات تدور على قضبان منصوبة متداخلة .. كانت هذة اللعبة حلمهما، واجتهدا بسببها عاماً دراسياً كاملاً حتى يحصلا عليها -كجائزة دولية- بالمناصفة.


"ريهام" فى المطبخ تصنع الفيشار والحلوى استعداداً للسهرة التلفزيونيّة. حاول "مدحت" أن ينتقى مايشاهده أولاده حتى ينمى لديهم ذوقاً فنياً رفيعاً –كالذى عند أمهم- لكنه كسائر أباء هذا الجيل أفلت منه الزمام تماماً .. الأفلام صارت فيرس يفترس الأطفال –والكبار أيضاً- يصيب لوازم كلامهم، أسلوب حبهم، أماكن وأساليب ترفيههم، ملابسهم، مشاعرهم، كل شىء .. أنه الطاعون ولا شىء سواه !


فلم كوميدى يدور على شاشة التلفاز، ينتبه له الأولاد فيضحكوا ثم ينصرفون عنه لألعابهم ليعودوا إليه مرة أخرى بعد قليل، يتاجذب انتباههم مع الألعاب بينما يتجاذب انتباه "مدحت" مع انتباهه للأولاد .. يشعر برضى يكاد يتخذ شكلاً مادياً ! كأنه طبقة من الكريمة الدافئة تغطى صدره! يشعر بتأثيره على أنفاسه واحساسه بالأمان والمتعة.


شىء فى قلب الكريمة الهشة الدافئة الناعمة يبدو قطعة صلب صدئة، إذا حاول الامساك بها أفسد كل شىء ! .. يحاول أن يمد يد المنطق بهدوء ليستخرجها، أو حتى ليعرفها لكنه يتراجع .. يقرر أن يحافظ على شكل الحلوى الجميل الشهى، ولا داعى لافسادها بهواجس قد تكون خاطئة من الأساس.


يمر مشهد كوميدى على الشاشة، يرفع "سامر" عينيه أثناء اللعب ويتابع .. يبتسم ثم يضحك .. يضحك "سامى" و"سلمى" دون يفهما المشهد.. ثقتهم فى أخيهم وتبعيتهم له تجعلهم تلقائياً يشاركونه ردود أفعاله. يتابع "مدحت" معهم المشهد ويحاول أن يبتسم .. يحاول مرة أخرى وأخرى –على طول المشهد- فيفشل! أخيراً تهتز ذقنه ويبكى بعد أن فشلت محاولاته. يضم شفتيه بقوة ليخرس انفعاله فتصدر رغماً عنه شهقة مكتومة، ترفع "سلمى" عينيها الجميلتين إليه.. "بابا أنت بتعيط ؟ .. بابا ؟" ثم تنفجر فى بكاء هستيرى وتنهض على ركبتيها، تدور لتواجه أبيها .. تدفن رأسها فى بطنه وتخبط صدره بيديها الصغيرتين.. يصاب الولدان بدهشة تجعلهما يتسمران وهما يراقبان والدهما وأختهما .. يطول تجمدهما أمام المشهد السيريالى، يحتضن "مدحت" أبنته ويطلق لبكاءه العنان ...


تهرع "ريهام"  ريهام من المطبخ ممسكتاً بمغرفة بآثار "الآيس كريم" "فى إيه ؟؟ .. مدحت فى إيه ؟؟ مالها البنت ؟؟" .. ينظر "مدحت لريهام بحيرة ..

-مافيش
-أمال يتعيطوا أنتوا الأتنين ليه ؟؟؟
-مش عارف !

تنظر له وللولدين –اللذان مازلا فى وضعهم الصنمىّ- وتشم روح الجنون تكتنفهم كلهم ، وتشعر كأنها تريد أن تحمى فمها وأنفها بيدها كى لا تستنشق غاز الهلوسة الذى تسبب فى لحالة لاتفهم لها سبباً. أخيراً يقرر مدحت تحرير الوضع .. ينزع "سلمى" من حوله برفق .. يسلمها لأمها التى تحملها وهى تنظر إليه فى اندهاش، يوجه خطابه لولديه محاولاً تطمينهم بعد أن أشفق عليهم ...

-بابا كويس هو بس تعبان شوية .. مش هاقدر أشوف معاكم الفلم النهاردة ..
يسير بهدوء فى اتجاه حجرته.. يظل الوضع كــ"كادر" ثابت إلى أن تقرر ريهام لصق قطع الزجاج الشفافة التى انفجرت بشكل غير مرئى واصابت الجميع .. تضع "سلمى" على الأريكة .. تسير بسرعة باتجاه المطبخ..
-عملتكم سلطة فواكه بالأيس كريم اللى انتوا بتحبوها ..
تعود وهى تحمل صينية فوقها تلاتة كؤوس شهية. كأنها حملتهم لكوكب أخر فى طرفة.. يجروا باتجاهها وهم يضحكون ويصيحون.. ترفع الصينية بأعلى من قاماتهم ..
-اقعدوا على الأرض وكل واحد ياخد الكاس بتاعه علشان ماتوسخوش الدنيا ..

يصطفوا وظهورهم للأريكة .. تعطى كل واحد كأس وملعقة ، تراقبهم لنصف دقيقة حتى تطمئن أن كل شىء على مايرام ثم تسير بسرعة باتجاه حجرة النوم...

تفتح الباب وتقف مستندة إليه
-فى إيه !
-مافيش..
-مافيش أزاى !! .. أنت أول مرة تعيط قدام الولاد
يطرق برأسه وهو يعطيها ظهره ..
-صدقينى مافيش .. أنا بس مرهق من الشغل شوية
-ماأنت على طول بتبقى مرهق من الشغل، وبتضحك وتلعب مع الأولاد عادى.. إيه الجديد ؟؟
-ريهام .. ممكن تعذرينى، أنا هاخرج أتمشّى شوية..
-أنا مش فاهماك يامدحت .. من أمتى بتبقى مضايق من حاجة ومش بتشاركنى ؟ إلا بقى لو أنا سبب ضيقك دا ..
-أبداً ياحبيبتى .. بطّلى ظنك دا، أنا بس مخنوق شوية .. أرجوكِ ماتقلقيش خالص وخليكى مع الولاد وأنا هاتمشى شوية أشمّ هوا وأجى ..


كان يقول كل هذا وهو يرتدى ملابسه بالفعل .. فلم تجادله، لتكن شريكته فى القرار حتى ترى نهاية الأمر ..


يخرج .. يمر أمام الأولاد وهو يبتسم محاولاً طمأنتهم، بينما هم لم ينتبهوا إليه أصلاً، يسير خارج البناية ويخرج للشارع الرئيسى وهو لايعلم وجهته ..


يسير .. يفكر فى إجابة السؤال الذى ولد فى عينىّ سلمى، ونما فى أعين "سامى" و "سامر"، ونضج حتى صار وكيل نيابة ناطق ذى صلاحيات فى عينىّ "ريهام" .. لماذا بكى ؟؟ .. يسترجع المشهد التليفزيونى الذى بكى أمامه ليحصل على جواب ..


كان بطل الفلم يفترش سوقاً .. يضح بضاعته الرخيصة أمامه على لوح وينادى "بأتنين ونص .. بأتنين ونص .. بأتنين ونص" بمنتهى الهمة والنشاط، يأتى إليه "زبونان" رجل و إمراءة .. يسألانه عن أسعار بضائع معينة فيقول أسعاراً أعلى قيمة وهو لايعيرهما انتباهاً .. بينما يواصل حماسه ونداءه .. "بأتنين ونص .. بأتنين ونص".


مجرد تذكره للمشهد أهاج مشاعره من جديد .. يبكى فى الشارع ! .. يركن إلى مقعد جانبى فى حديقة عامة ويدفن رأسه بين كفيه ويبكى أكثر وأكثر .. يالله! كيف لهذا المشهد أن يكون فكاهياً بأى حال! أنه المشهد الرئيسى لشرخ روحه! .. أنه هو .. هو ذلك الزبون الساذج الذى يعرج إلى الباعة الذين يرى فيما يقدمون قيمة تساوى مالديه .. فإذا به بعدما يصل يفاجأ بخداعهم .. بكذبهم! .. يقولون له أن مراده أغلى، وأن مالديه لايساوى بضاعتهم .. يتركونه يرجع خاوياً .. وبهذا كانوا يجرحونه كثيراً.


أنه هو ذلك البائع الذى ينادى بحماس على بضاعته، يقول أنها زهيدة وأنه متشوق لزبائنه، يروج لنفسه قبل بضائعه. فلمّا يقترب منه من يرى فيه الصورة التى سوّق نفسه بها يصدمهم بتجاهلهم! .. يصدمهم بتغيير كلامه فى نبرة صوته الخافتة الوديّة عن النبرة العالية الإعلانية الاستعراضية .. وبهذا كان يجرحهم كثيراً.


يتذكر "راندا" حبيبته الأولى التى روج لها كثيراً أنه حبيب مثالىّ، وأنه على استعداد لفعل أى شىء لأجلها .. فلما أقتربت إليه فجأها أن طموحاته ليست "بأتنين ونص" بل ربما بمئات وألوف الأضعاف .. فلن يرضى أن يسكنا معاً شقة صغيرة متواضعة، ولن يرضى بمستوى ملابسها البسيط المحتشم .. فسيكون مدير عام –كما هو الآن- يسكن فيلا كبيرة، وزوجته يجب أن تكون كزوجات رجال الأعمال .. ترتدى ملابس السهرة المكشوفة، وتضع المساحيق الغالية وتصبغ خصلات شعرها كما الموضة الباريسية كل عام. رفضت، فنسب الرفض لها وارتاح ضميريّاً، تركها تنسحب بهدوء مكسورة الخاطر والكبرياء أعاد المناداه "بأتنين ونص .. بأتنين ونص" ليجتذب "زبونة" أخرى وأخرى .. كثيرات مرنن عليه حتى وصلت إليه "ريهام" التى اعطته عمراً جديداً نقياً، كانت هى توبته وكفارته عن أحلامه "النصّابة" .. لكنه لم يتب عن ماضيه قبلها !


يتذكر "رشاد" يشعر بغصّة فى حلقه مع احساس عميق بالإهانة .. كان أبيه الروحى على كل المتسويات، قوته ومثله الأعلى .. كان نبياً فى عينيه. كان يحب الأدب والثقافة مثله، وكان يعمل فى نفس مجاله، كان يحبه لدرجة أن ملامح وجهة بدأت تعيد تشكيلها ذاتياً لتأخذ من ملامحه، حتى كان كل من يراهما يظنه أبنه بالجسد! .. حتى اكتشف أن أغلب كتاباته سرقات أدبية، وأن مبادئه المثالية نظريّة، بل أنه يخالفها فى الواقع غالباً، أكتشف أنه مختلس ومزور، ولمّا واجهه اعترف بابتسامه صفراء مُبرراً أنّ "السوق عايز كدة" و "لازم تاكل اللى قدامك قبل ما ياكلك" و أنّ "المثاليات ماأتكلش عيش" .. ربما كانت هذة من أكبر صدمات حياته، حينما أعتقد أن البضاعة ذات "أتنين ونص" لن تباع أبداً بالثمن الذى أعلن لها، وأن الكلام الودى ساعة الشراء مختلف تماماً عن الصيت! .. كلما تذكر "رشاد" حتى الآن يشعر بأنه يكره كل تفاصيله، يكره حتى نفسه فى الفترة التى كان مصدقاً وتابعاً لهذا الكيان البغيض الكذّاب.


ياإلهى! .. كيف لمشهد كهذا أن يصير فكاهياً ؟؟ أى مأساة يضحك البشر عليها ؟؟ يشعر بالشفقة الكبيرة على أطفاله .. اليوم يضحكون وغداً سيبكون، وعلى نفس الموقف! .. يرون اليوم البطل كوميدياً ..وغداً سيرونه نصاباً خسيساً. يرون "الكومبارس" المشترون مغفلين .. وغداً سيعرفون أن كل خطيتهم هى أنهم صدّقوا .. فقط صدقوا !
يشعر بالشفقة على "سلمى" .. تجتاحه الرغبة فى أن يقتل كل الكذابين -حتى من يدعى الفكاهة منهم- حرصاً عليها، أما غير المستقمين –لو كانوا صادقين- فلاخوف منهم، من يسقط معهم فسيسقط بكامل رغبته الحرة .. ولاحكر على الحريات فى سبيل المثاليات فليخطئ من يخطئ مدام يريد هذا غير متورط.


يفكر فى "سامى" و "سامر" .. لايريد لهم أن يتعلموا "التسويق" لأى شئ فى مشوار حياتهم –ولاحتى أنفسهم- بطريقة "أتنين ونص" ويفرحوا بتوافد الزبائن من كل حدب وصوب، بينما هم فعلياً ليس لديهم بضائع بهذا السعر .. سوف لايكترثون بانصراف الزبائن مكسورى الخواطر، سوف لايعرفون أن هذا يورثهم لعنة أبدية كالتى يشعر بها الآن.


يغرق فى التفكير .. يمر شريط حياته أمامه يرى فيه مشهداً واحداً مكرراً، مرة يكون هو مكان البطل البائع و مرة مكان المشترين. يفكر فى حياته كحلقة نصب مملة وهو فيها نصاباً أو منصوباً عليه. يجفف دموعه .. يشعر ببعض التطهر، ينظر فى ساعته فيدرك أنه قد تأخر، ينهض ويسير فى اتجاه منزله ...


يدخل منزله بهدوء كى لايوقظ الأولاد إذا كانوا قد ناموا. يرى ريهام مددة على الاريكة تتابع فلما على التلفاز وحدها. يسألها عن الأولاد فتخبره أنهم ناموا بعد انتهاء الفلم. تنظر إليه طالبة تفسير عن ماسبق. يباغتها بسؤال .. "ريهام .. أنتى بتشترى من الناس اللى بينادوا على بضاعتهم فى السوق ؟" .. تصمت لعدة ثوان محاولة فهم مغزى السؤال ثم تجيب بعد حيرة ..

-"آه طبعا .. عادى .. فى مشكلة؟"
-"لأ.. بسأل بس .. وتشترى منهم بالتمن اللى بياندوا بيه؟"
-"لأطبعاً !"
-"ليه؟"
-"علشان هما نصابين وعارفين أنهم نصابين، ومتأكدين مية المية أن ماحدش هايشترى بالتمن اللى بينادوا بيه من غير مايفاصل .. وإلا هايبقى مغفل ومغلوب. دا حتى الأجانب اتعلموا الفصال .."


يندهش جدا  من فطنتها ! ثم من جديد يبكى، ينهض ويحتضنها وهى متسمرة مكانها

-"ريهام" .. قد إيه أنا فخور بيكى، ومطمن على ولادى أنك أمهم اللى بتربيهم، سامحينى يا"ريهام" وأدعى ربنا يسامحنى .. وأدعى ربنا يعوّض كل حد صدق بحسن نيّة واشترى من غير مايفاصل ..

لاتفهم شيئاً على الإطلاق، لكنها –بفطنتها- تدرك أن الكلام ليس سطحياً، وأن مدحت متألم جداً .. تعرف صوته جيداً، واحساسه يهز ضلوعها ..
-مسامحاك .. وربنا يشفى كسرة قلب المجروحين ...
يتنهد من قلبه ..
-أمين.

السبت، 13 أبريل 2013

طلاق ...





لم أكن أفهم أبداً معنى كلمة "طلاق". منذ كنت طفلة صغيرة اسمع أمى تطلبه، وحتى حَصُلَتْ عليه لم أفهم ماهو، أو كيف هو؟ وحتى كنت أطالب أنا به وحصلت عليه لم أفهمه .. لم أفهمه قبل الآن! .. والآن فقط فهمته.


كنت أتسأل منذ التاسعة وحتى طُلِقت .. كيف لمن هو زوجى أن يصير غريب! كيف لمن تشاركنا الفراش والغطاء والبكاء والضحك والأكل واللعب والمعالق والأكواب والمناشف ومشاهدة الأفلام وتمشيه شراء الملابس ومبادلة الأحذية المريحة و غيرها وغيرها.. أن نصير بين يوم وليلة أغراب!


لماذا لايُفسَخ عقد الأبوة أو الأمومة أو البنوة أو الأخوّة .. ويسمح فقط بفسخ عقد الزواج ؟ مع أنّ لهذا العقد مايميزه. فكل العلاقات السابقة فُرضت فرضاً على الإنسان .. يستقظ من غفوة العدم فيجد نفسه عضواً فى أسرة هؤلاء اعضاءها.. قليلون يحتجون على تشكيل الفريق الأسرىّ الذين وجدوا أنفسهم فيه، يذهبون للانتداب كلاعبين فى وطن أخر ومجتمع آخر. البعض لايملك الشجاعة الكافية لتمزيق العقد وإنهاء التعاقد والاستضافة بشكل كامل فيحافظ على خيط رفيع متهرئ ليُسكت ضميره والمجتمع بنداءات "صلة الرحم" اللاعقلانية. كيف لـ"رحم" أن يتحكم فى حياتى ويسود على العقل والقلب ؟؟ .. كيف لروبط الدم –السائل- أن تكون أقوى من روابط العضلات العاطفية التى تنمو وتتغذى على تمارين الحب ذات الاختيار الحر ؟


منذ طُلِقت من "رفيق" وأنا اعتبره زوجى مع وقف التنفيذ. أحبه، أخاف على كرامته وسيرته وكل مايخصه .. اُشاركه بشكل روحى كل تفاصيل حياتى كما كنّا نفعل فى فترة زواجنا .. أصبح نشيدى اليومى أغنية فيروز "كيفك أنت" .. أناجيه بها كل صباح ومساء. فى نقلات الفصول اُخزن ملابسه الصيفية أو التشوية بعناية وأعيد غسيل وكىّ الأخرى لتكون جاهزة لاستخدامه فى حال عودته أى وقت. لم أتوقف عن طبخ الطعام بالطريقة التى يحبها، كنت انظر لباب منزلنا وأنا أضع الطعام على الطاولة لكل وجبة .. هيا تعال الآن –لابعد ربع أو نصف ساعة- لتأكله وهو ساخن كما تحب أن تأكل طعامك دائماً.


عندما ترى صديقاتى نمط حياتى الملتبس به يشفقن علىّ "إذا كنتِ تحبينه كل هذا الحب .. فلماذا طلبتِ الطلاق واصررت عليه ؟!" .. هن لايعرفن، لايعرفن أن أن "رفيق" الذى طلبت منه الطلاق ووافق عليه بلاجدل لم يكن هو "رفيق" الذى أحببته وأحببنى، وليس هو رفيق الذى أحيا مع شبحه الآن. "رفيق" الذى ذهب كماء خلف بوابة أندفع بقوة بمجرد انفتاحها ليس "هو" رفيق الشجرة ذات الجذور الذى كان مصدر كل الظل والثمر اللذيذ فى حياتى .. هذا الأخير كان بالنسبة لى ثابت راسخ لايحركه شىء ولا أعتى العواصف، لايمكن أبداً أن يغير مكانه ولاأن يذهب لأى مكان خارج جنتى .. فإذا ذهب فهو ليس هو.


اليوم رأيت "رفيق" الذى لم يعد فيه شىء من الذى كنت أعرفه غير اسمه .. بل أنه غيره هو الآخر على الأرجح! .. كنت أعرف أنه تزوج وأنجب، عرفت هذا من خلال أصدقاء مشتركين ومن قلبهم عرفت عندما أخبرتنى فيروز "كيفك؟ قال عم بيقولوا صار عندك ولاد"، لم يضايقنى هذا أبداً، فزوجى سوف يعود إلىّ لأن بيننا صلة روح لايمكن قطعها، أما هذا الآخر فهو زوج لأخرى لاأعرفها ولاأعرفه.


كان يسير فى "المول" مع زوجته وطفلته الجميلة كأمها، لم انتبه له. كنت واقفه أمام "فاترينة" لعرض ملابس الأطفال، أعجبنى فستان لطفلة فى عمر عام .. اعجبنى جدا حتى أنى رفعت عينى لأحفظ اسم المحل حتى عندما يعود "رفيق" أتى به لهنا لأريه الفستان ونشتريه أو لانشتريه –حسب ماتنفق- لطفلتنا القادمة. كانت واقفة بجانبى ويبدو أنه اعجبها هى الأخرى.. عفواً سيدتى، هذا الفستان لطفلتى .. تلفتت حولها بتوتر ثم استقرت عينيها على رجل يدفع عربة أطفال تنام فيها طفلة جميلة.. نادت "فوفو.. تعال وانظر هذا الفستان لمَلَك" .. ألتفت لــ"فوفو" هذا لأجده هو ! .. لكنه لم يكن هو تماماً !


كان رأسه بتقسيم جديد لأماكن الشعر والصلع وبتسريحة غير التى كنت أصنعها له. خصره تم احتلاله بمستعمرات دهون رهيبة فى توزيع عشوائى. رسم على وجه -الذى صار منتفخاً بشكل طمس ملامحه الوسيمة- شارب و "سكسوكة" جعلته أشبه برجال كثيرين .. رجال لهم نفس القالب وهو الذى كان لايشبه أحداً. كان ممسكاً بـ"ساندوتش" من محل من محلات الوجبات السريعة أعرف أنه كان يكرهه تماماً ! .. كانت تناديه بـ"فوفو" وهو الذى كان يرفض تماما مايسمى "باسماء الدلع" حتى أنه كان ينادينى باسمى الذى لم استخدمه إلا فى أوراقى الرسمية .. كان يقول أن اسم الإنسان هو ذاته لايجب اختزاله أو تحويره، وإذا تنازل الإنسان فيما يناديه به الآخرون فسوف يستمر التحوير وإعادة التسمية على الصفات وكل ما يتعلق بالشخصيّة، وأنه يكفى التنازل الأول حين تُركت مهمة تسمية الإنسان لذويه وليس للشخص الذى سيحمل الاسم على روحه ويسير به طوال حياته وللأبدية. كان يقول أيضاً أن للاسماء قدسية لايجب أن نعبث بها، ففى بعض القبائل الأفريقية يدركون هذة القدسية ويخفون اسم الطفل مدة طويلة من بعد ولادته قد تمتد لأعوام حتى لايتم استخدام اسمه فى تعويذة تضره، وأنا كنت قد أمنت بهذه القدسية واستخدمت اسمه طوال غيابه فى تعويذات شتى.


ألتقت عينانا .. ألتقت عينىّ بعينىّ "طليقى" .. طليقى وليس زوجى، أما زوجى فلاأعلم أين هو ولا كيف هو .. لا أعلم منذ كان زوجى وكنت أراه ليس هو، وتم طلاقى مِن مَنْ كان يدعى أنه هو وكنت ابحث أنا عن الأخر.


تسمر ! .. نقل نظره بينى وبين الـ"ساندوتش" الذى يمسكه وألتمعت فى عينيه نظرة خجل، كطفل رأته أمه وهو يصنع خطئاً طالما أطمأنت أنه بعيد كل البُعد عنه. رفع يده الأخرى عن عربة الأطفال ووضعها على خصره وتضاعف فى عينيه الخجل "أجل توقفت أيضاً عن الرياضة اليومية التى كنا نمارسها سوياً" رأيتها بوضوح فى عينيه المكسورة .. كان المشهد عبثياً جدا أمام مناديته فكان الحل الوحيد أن انصرف فوراً.


استدرت كأنى لم ألحظه أصلاً وتصنّعت متابعة الفتارين والبضائع فى اتجاه تباعدى عنهم .. كنت اسمع وأنا أغرق بعيداً –أو بالأحرى اتركه غريقاً وأصعد على السطح- صوتها وهو يوجّه إليه حديثاً حاداً "فوفو .. مين دى ؟؟ .. مالك لما شفتها وقـــ...". أكرر دعائاً فى سرى وأنا أبتعد "يارب .. لاتجعل حياة "فوفو" هذا تضطرب بسببى وأنا لاأعرفه ولاأحبه ولا أريده، ولم أكن أريد فى حياتى إلا رفيق".


أعود إلى بيتى –بيتى وحدى- وأنا مرهقة جداً جداً. اليوم بذلت مجهوداً خرافياً، ربما لو قاسه أحد لسجله فى موسوعة "جينس" كأطول مسافة سباحة. اليوم سافرت من قارة لقارة لأعود إلى نفسى، لأفيق من وهمى الذى طالما نبهتنى إليه صديقاتى وكنت لا أصدقهن. "رفيق تلاشى" تلك الحقيقة الحقيقة التى يجب أن اعترف بها، وسوف لايعود أبداً. أُعدّل اللفظ الذى كنَّ تستخدمنه بأنه "مات"، فلو كان مات لكنت ناجيبته من أبديته وتواصلنا بشكل عندى خبرة كافية عنه، لكنه أنعدم! .. لم يعد له وجود.


اليوم إذا عاد "فوفو" هذا إلىّ سيجد ملابس "رفيق" التى عندى لاتناسبه، ذوقها الراقى ومقاساتها لرجل أخر كنت أعرفه وكان رائعاً بحق. سوف لايشتهى طعامى الساخن الصحى اللذيذ، فـ"فوفو" هذا يأكل من محل وجبات سريعة طالما تغنى بمفاسده وسوء نكتَهُ. "فوفو" هذا لديه أبنه جميلة لكنها لاتشبهنى! .. تشبه أمها التى تناديه بـ"فوفو" وهو الذى سوف كان لايقبل أبداً.


اليوم أدركت المعنى الحقيقى للـ"طلاق"، أدركت كيف كانت ترى أمى أبى غريباً عنها رغم أنى كنت أراه أنه هو أبى الذى كان زوجها .. لقد كان وظل أبى، لكنه لم يكن هو زوجها الذى كان تعرفه قبل خط الطلاق، وربما قبل قبل خط الطلاق الرسمى بمسافة لااستطيع أن أقدّرها.


من اليوم سوف لاأردد نشيدى الفيروزى لأنى كفرت بـ"بيطلع ع بالى أرجع أنا وياك .. أنت حلالى أرجع أنا وياك ..بيرجع ع راسى رغم العيال والناس، أنت الأساسى وبحبك بالأساس" .. أجل مازلت أحب "رفيق" واعتبره أساساً لايمكن نقضه فى حياتى، لكنى أدركت أنه لاسبيل لأرجع إليه لأنه ليس بموجود.


أدركت أيضاً أن الـ"طلاق" ليس إجراءاً خاصاً بعلاقات الزواج فقط، لكنى قد طَلّقتْ وطُلِقتُ كثيراً جداً من علاقات كانت روابطها مضفورة فى روحى. صديقات ذهبن أو ذهبت أنا، أختى التى هاجرت وتناقص معدل مكالمتها حتى صار بمعدل مرتين فى السنة وقت الأعياد فقط، أمى التى طلقتنى قبل أن تموت لأنى "خيبت أملها" وجلبت لها العار فى العائلة بطلاقى، إذ اتهمها الجميع بسوء تربيتها لى، وإنها سبب "خراب بيتى"، عمتى التى طلقتنى لأن عليتهم تعتبر الطلاق ذنباً لايغتفر يستدعى الاستئصال. أخى الذى طلقتُه لأنى احسست بخجله منى أمام أسرة خطيبته لكونى مُطلّقة، الكثير والكثير من العلاقات التى انتهت على هذا النحو.


يبقى "الطلاق" إجراءاً صعب الفهم إلا على القانونيين الذين يحددون العلاقات بأوراق رسمية، وكذلك على مَنْ ذاقوا أن تمتزج أوراحهم بأرواح أخرى فى فضاء من "الحب" يصعب معه فصل الأرواح كما السوائل المتجانسة فى كأس، ثم يرون بأعينهم –وحياتهم وعقلوهم وقلوبهم- نظرية لم يذكرها العلم وإن شاهدوها وسجلوها وأمنوا بها .. التلاشى فحتمية الطلاق.

الاثنين، 25 مارس 2013

قصة فتلة ...





بدأت حياتها كـ"فتلة"يوم انفصلت عن بكرة الخيط ، قبلها كانت لاتعرف نفسها .. كانت جزء من كيان سرمدى -بالنسبة لها- لاتعرف بدايته من نهايته .. الآن تستطيع أن تميز طرفاها ، ترى بدايتها ونهايتها.


وعيها بمحدودياتها لايشعرها بضعف أو عجز ، بل الآن فقط تفكر فيما يمكن أن تفعله بنفسها ، قبلها لم تكنْ تعى من الأصل معنى "الفعل" ، إذ كانت تُضفر وتستغل بقدريّة فيما يحاك به الخيط كله..


الآن فقط يمكن أن تكون لها هويّة مستقلة .. فى بكرة الخيط لايمكن أن يكون لجزء من الخيط ملمس أو سمك أو لون مختلف عن باقى الامتداد .. الآن تستطيع ! .. تستطيع أن تُقوّى أو تُنَسّل خيوطاً من ذاتها ، تستطيع أن تصطبغ بلون تختاره .. تستطيع أن تفعل أشياء -بنفسها لنفسها- كثيرة ...


فريقان يدينان الانفصال .. البعض يدعى أنه وحدها ستكون بلاقيمة ، القيمة فى المجموع .. فريق يؤمن بالكثرة التى تغلب الشجاعة ولا يعرف أنها اختارت الانفصال لتنغلب بشجاعة .. فتغلب.


وفريق يحذر من التعقيد ، لما صارا طرفاها أقصر .. صارا أقرب ، وصارت عرضة -كفتلة-أن تتعد أكثر وأكثر. ومن قال أنها بانفصالها صارت مُنزّهة عن الألتفاف والتعقيد ؟ لكنّ عقدها الآن تخصها .. ليست مسئولة عن تعقيدات بكرة بأكملها ، بل أنه بسبب قصرها وتحكمها فى طرفاها سيكون التعامل أبسط والعبور من داخل وخارج الضغطات والانحنائات والشدّات أكثر سهولة ورشاقة.


هل الفتلة -ككيان مستقل- لايمكن أن تكون أبداً شيئاً عظيماً ؟ .. تتضافر وتتناسج البكرات فى محاولات صنع معاطف كبيرة سميكة تدفئ البشر ، فى تتكالب وتتكاتف لنسج غطاء شتوى ثقيل .. لكن "غُرزة" واحدة لشريان نازف هى الحياة لجريح ، ويستطيع -نفس الشخص- أن يستغنى ببساطة عن كل مايثقلة إذا أدرك أن الدفء ناتج منه إذا تحرك ، وأن الملابس تقوم بدور عوازل ، لا مولدات حرارية. العظمة ليست فى كمّ ، ليست فى حجم أو وزن .. تستطيع الفتلة أن تكون "عظيمة" أو "حقيرة" بنفس الفرصة المتاحة لبكرة الخيط ، بل بحرية أكبر لأنها ليست كياناً -بالنسبة لنفسها- جمعياً سرمدياً ، بل فتلة تعى ذاتها.