الجمعة، 30 سبتمبر 2011


حاجة عبيطة ومش مهمة ..
بس بالنسبة لى تاريخية
:)
أنا النهاردة غيرت شكل المدونة لأول مرة من يوم ماعملتها مش عارفة من كام سنة
بتعبر نفسى لسة مبتدئة فى التدوين
لأنى مدونة بليدة ومش "بنجز"
وماليش فى الحركات الإفكتات
ومش بحاول اتعلم
بس من يوم مادخلت عالم التدوين وأنا اتعلمت كتيييييييييير
وكسبت كتير كتير كتير
التغيير -حتى لو فى الشكل بس- أحياناً بيحسس الواحد أنه جرئ !
وكفاية أنه يكسر حواجز
"ماعرفش"
"خايف أغير"
"ماهى حلوة كدة"
"المهم تقضى مصلحة"
....
وأنا النهاردة غيرت فى شكل مدونتى اللى بعتبرها بنتى
أو مكتبى
أو أوضتى
أو أوضة الخزين اللى العنكبوت معشش فيها ومش بدخلها غير علشان الريدر :))
***
النهاردة تغيير فى الشكل
بعده فى الأسلوب
بعده فى التفكير
لحد ما مالقيش منى غير أسمى :)
***
أول ماغيرت المدونة وشفت الجديدة حسيت أن القديمة وحشتنى قوووووووى
:'(
وأنى خاينة
وأنى خايفة !
فدخلت على الــ"سبيد دايل" بتاع أوبرا اللى مسيفة فيه كل المواقع اللى بدخلها كل يوم أكتر من 90 مرة وأخدت صورة المدونة القديمة احطها للذكرى ...
هاتوحشينى ياأغلى سنين الحبو التدوينى
وأهلا بسنين المسك فى التربيظة ومحاولة الوقوف ...
فقط من أجل "الشب" علشان أشوف أبعد
:)

الاثنين، 19 سبتمبر 2011

23 رقصة كاملة حول الشمس




*مسرح خلاب كروى معلق فى الفضاء .. يدور حول نفسه وحول الشعلة المتوسطة ، ويدور حوله عاكس ضوئى صغير. على طول مساحته تتنوع "الديكورات" والمؤثرات الضوئية وحتى الطبيعية من سحب وأمطار وحبال وبحار ونباتات ... ، وفى كل لفّة حول نفسة ترتفع وتخفت الإضاءة المستمدة من الشعلة ، وفى كل لفّة حول الشعلة تتنوع الأربعة الأكواد الرئيسية لمود العرض .. الشتاء والربيع والصيف والخريف.



*كلٍ على المسرح يرقص فى تشكيلات عظيمة. مدة العرض عام ، ويبدأ العرض الذى يليه آنياً مع أنتهاء سابقه ، بلا فواصل ولا استراحات. يرقص الراقص من لحظة دخوله المسرح حتى لحظة مغادرته -ويحدد المعادين المخرج الأعظم- على أن يختار هو من يرقص معهم مع امكانية إعادة صياغة دوره فى كل حركة بحرية كاملة.



*يظن السطحيون أنه لكى يكون دورهم فى العرض بطولياً فلابد أن يختاروا تجسيد الشخصية الأغنى ، أو الأشهر ، أو الأجمل ... وينسوا أن أدوار البطولة الخالدة لها معايير مختلفة تماماً. ففى تاريخ الراقصين الذين رحلوا أو حتى تاريخهم الأسطورى دائما مايكون البطل –أو البطلة- "بطلاً" لأنه أختار "الصلاح" للنهاية دون ال 606;ظر لأى اعتبارات أخرى ..

ففى قصة أسطورية كـ"ساندريلا" أو "سنوايت" كانت الفتاتان البطلتان الأفقر فى كل شخصيات عرضهن ، وعلى أرض الواقع اختار "غاندى" أن يكون "الأفقر" و "الأبسط" رغم أنه كان من الممكن أن يكون عكس ذلك تماماً .. وأدى رقصتَهُ حافياً. "هيلن كيلر" لم تكن ذات الأمكانيات والمواهب العظمى ولكنها كانت ذات "الإيمان" و "الثقة" و "التفاؤل" وبهم أضاءت وهى لاتعرف معنى النور. "الأم تريزا" لم يكن لها ذلك الفارس الذى تنتظره بعض الفتيات على حصانه الأبيض ذو الأجنحة ليطوف بها الممالك تصنع الخير ، وإنما اختارت هى أن تكون فارسة على حمامة بيضاء تطير على ارتفاعات صغيرة وتغمد سيف الحب فى كل القلوب بشجاعة ومثابرة قد لايرى البعض تفسيراً لها. وأبطال أخرين أفنوا أنفسهم بدون أن ينشغلوا بالبحث عن "إمرأة عظيمة" يلقونها روائهم لتكون وقود دفعهم للقب "الرجل العظيم". بينما عرف آخرون الثنائيات الراقصة بمعنى التكامل فى العظمة ووحدة الهدف مع رفض كل المغريات ناظرين لما هو أبقى وأقيم ، فذابوا فى بعضهم حتى توحدت خطواتهم بل وأنفاسهم ودقات قلوبهم كالزوجان "كورى".



*لايهم نوع الرقص الذى يؤديه الراقص ، سواء كان أنفرادياً أو ثنائياً أو فى جماعات كبيرة ، تحت الإضاءة الساطعة أو فى الإضاءة الخافتة أو كخيال الظل ، كلاسيكياً أو حديث ، على إيقاع هادئ أو بسرعة لاتلتقط العين تفاصيلها ، بمؤثرات مبهرة أو خلفيات متواضعة ، على موسيقى عالمية أو دندنات أولية ، بملابس أنيقة أو عادية ... اختيارات عديدة تتنوع بعدد بصمات الأصابع ، بحيث يكون لكل راقص "تيمته" التى لاتتكرر ، يظل الحكم الأخير ليس "لجمال" الرقصة أو "مدى إبهارها" ولكن بمدى تأثيرها وقيمتها وهدفها فى مجمل العرض بكل تبايناته التى تمتد لسنوات متصلة ، فلايمكن الحكم على العرض من مشهد أو حتى فصل كامل بمدة أكثر من عام . لكن أيضاً كل حركة وحتى انفعال على وجه يساهم ويضيف للعرض ولايمكن التراجع فيه وإنما تصحيحه فى أثناء العرض ، فالعرض بلاكواليس وبلا تداريب خارج العرض الأساسى ... ثمن الخطأ أنه لايمكن إلغائه ولكن يمكن تداركه.



*قد يظن أحد المؤديين أن دوره غير مؤثر ، غير ظاهر ، قبيح ، مشوِِش ، عبثى ... ولكنه ربما ليس كذلك أبداً ، بل ربما يكون بطل المشهد القادم ، بل ربما يكون البطل الآن ولكنه لايرى دوره بالنسبة للمسرح الشاسع ، ربما يكون وحدة أساسية فى تكون مبهر وغيابه فارق ... لاينبغى أن ينشغل الراقص بغير رقصته طالما واثق من صدق أداءه ، وقوة إيقاعه ، وجمال وقوة حركاته .. ولاينبغى أن يحكم هو على دوره لأن عين راقص من قلب العرض ليست بالمرصد المثالى ، ولا خبرته كراقص تتيح له أن يحكم على دوره أو دور غيره أو يتنبأ بالتداعيات القادمة ... فالعرض أكبر وأعظم من خبرته ورؤيته ومجاله ... فقط المخرج الأعظم من له هذا الحق.



*يحق للكل أن يبتكر حركاته الخاصة ، وأن يشترك مع الآخرين فى حملهم بل ودفعهم للتحليق أيضاً. توجد توجيهات المخرج الأعظم التى تختصر الكثير من التجارب الفاشلة للمؤديين. يلتف البعض حول التعليمات الواضحة جداً كى يقنعوا أنفسهم والجميع أنهم يطبقونها ولكن بطريقة أخرى .. قد يقتادون البعض لمنحدرات موت أو يعلقونهم بحبال بالية قانعينهم أنها نسبة محسوبة من المخاطرة على ضوء التعليمات. ولكن التطرف والمغالاة فى لفت النظر واصطناع البطولة الزائفة له ثمن باهظ ... والعرض ليس بلا تقييم.



*قد يتسائل البعض عن ماهية تلك القوة التى تجعل إنساناً أياً كان يرقص لعقود بلا توقف ! ، والمطلوب منه أن يحسن دائماً الأداء ، وأن يغرقه بالقوة والحيوية !! ... ولكنها قوة واحدة دافعة دافقة وتصنع بجدارة الأبطال .. طاقة الحب والإيمان. فإن كان أياً منهما مزيف ، انعكس ذلك جلياً على أداء الراقص مهما حاول إخفاءه ... فالحب المزيف والإيمان المزيف كالطعام المسمم ، لايغذى وإنما يجعل الراقص يلوى من الألم والجزع ... ويعتبره الأخرون رقصة جديدة يعجبون بها ، وهم لايعلمون مدى عذاب صاحبها الداخلى.



*واليوم وأنا أتم 23 رقصة كاملة حول الشمس ، وأبدأ للتو أخرى ... أحاول أن أقيم موقعى ، فلا أعرف على وجه التقريب ، أحاول أن أقيم أدائى فأراه هزيلاً عن توقعاتى ، وغير مرضى بالنسبة لواقعى ، ومخجل بالنسبة لتوجيهات المخرج الأعظم ... لاوقت للراحة ، حركات الرفع والدفع والتغيير لانهائية ، والطاقة صارت تستلزم المزيد والمزيد من الجهد لجلبها بينما تستنفذ بسرعة .. ولكن تبقى دفعة الثقة التى لم تسحب ، والفرصة حتى ولو لساعات أو دقائق ، مزيداً من اللياقة والخبرة اكتسبها أدائى ، واحترافاً لأذنى الموسيقية لأنتظم بمشاركة وحب مع الإيقاع العام الذى يضبط المسرح كله ، قوة أكبر لعضلاتى بها أساهم فى الحركات الصعبة والخطرة وأشارك فى تشكيلات المحترفين فأرفع وأحمِل ، وأتشبث وأُحمَل ...


23 رقصة كاملة حول الشمس ... ولا أعلم كم بقى لى حتى تشير لرقصتى بالانتهاء فأغادر المسرح بغير رجعة أيها المخرج الأعظم منتظرة التقييم الإجمالى الذى من أجله أحاول ألا أنحرف عما تراه أنت فناً إيجابياً رائعاً ، ولكنى أرجو منك أن تمدنى بالقوة وتقتحمنى –فى وسط الضوضاء- بالتوجيه والتعديل والأرشاد ... حتى أؤدى الدور الذى تنتظره منى يوم أدرجتنى فى عرضك الرائع وتركت لى حرية الإبداع.


الجمعة، 2 سبتمبر 2011

"س" ..... حين لم تخترْ الحياة

"س" ... فتاة فى الخامسة والعشرين ، تعيش فى زيورخ – سويسرا .....

هنا أفضل مدينة للعيش على مستوى العالم لثمان أعوام على التوالى ، وحصّالة النقود المهربة والغير شرعية للأثرياء والتجار والمقامرين والمسئولين على مستوى العالم أيضاً. ولدت "س" لأم من أصل أوربى –الذى يحظى أهله بمعاملة مميزة عن المهاجرين من ذوى الأصول الأسيوية أو الإفريقية- وبلا أب. قالت لها أمها أنه كان زميل فى المؤسسة الصحفية التى كانت تعمل بها ، وهاجر إلى الولايات المتحدة دون أن يعرف أنه ترك طفلة فى أحشاء صديقته ... وانقطعت أخباره ، لم تر له حتى صورة تدعوها لأحلام يقظتها.

نشأت فى أحضان طبيعة يراها الجميع "فردوسية" ، يقصدها السياح والفنانون من كل أنحاء العالم فقط ليتأملوا .. أما هى فكانت تراها صماء بكماء لاتخاطبها ، معروضات حيوية فى محمية طبيعية. كانت ملحدة .. ترى الإيمان بالغيبيات والأبديات والمعجزات و ... أى شىء يمت لعالم الروحانيات هراء ! ... والحب أيضاً هراء ، أى شئ لايخضع للعلم أو للفحص أو للحساب هراء. حُبّين فقط كانت تؤمن بهما حب أمها وحب كلبها !!.

كانت ترى أمها تحبها وتضحى بأشياء كثيرة لأجلها .. دون أسباب واضحة محددة فى نقاط منطقية ، وكذلك كلبها ! ، جربت أن لاتطعمه وتتجاهله لبضعة أيام ، ولكنه لم يغدر بها أو يقابل تجاهلها واهمالها بمثليهما .. فتوصلت إلى أنه أفصل من صديقها وكل من أدعى محبتها ثم جرحها عندما توقفت عن العطاء .. قاطعتهم كلهم وتوقفت عن العطاء ، وآمنت بأمها والكلب.

على عكس أغلب الأوربيين لم تغادر بيتها أثناء دراستها الجامعية ، جامعة زيورخ للعلوم التطبيقية من أعرق الجامعات فى أوروبا. أختارت دراسة الطب لأنه علم صيانة الإنسان الذى يحل محل الإله فى عقلها .. ولأن حبها الجنونى لأمها جعلها تتمنى أن لاتسمح لطرفة ألم أن تعبر بها ... ستعتنى بها لأخر عمرها مكافأتاً لها على وهبِها عمرها لها ، وتوحدها لرعايتها مفضلتاً كل مايخصها على مصلحتها ومتعتها الشخصية.

كانت فاجعة عمرها يوم علمت بإصابة أمها بالسرطان ، فى الحقيقة هى لم تعلم يوم الإصابة ... بل بعد أن اتسوطن فى أغلب اعضائها. جاء الاكتشاف متأخراً جداً ، وتدهورت الحالة سريعاً جداً. أخبرها زميلها ببرود ثلجى من خلف عويناته -التى تُصَفّح عينيه من اختراقات المشاعر فى الاتجاهين- أن المدة المتبقية تتراوح فوق وتحت ستة أشهر بأيام.

اختارت أمها الموت الرحيم رغم أنه مُنع قنونيا فى سويسرا بعد جدل كبير. ترجتها فى توسل هستيرى أن تتشبث بالحياة لأجلها. ولكنّ أمها أقنعتها بهدوء واهن من فرط المسكنات أنها لم تعد تحتمل الألم .. لايوجد مايحفزها على الحياة. وإن كانت مسألة وقت .. فلتتحول لنقطة سوداء فى سماء العدم فى أقرب فرصة. تمنت لو تقتسم معها آلامها .. لو فعلت أى شئ ليطيل عمرها فقط ساعات .. ولكنها بحكم عملها وبحكم عقلها وبحكم إيمانها أدركت أنه لامفر. حقنتها بيدها بعد تعانقتا طويلا وبكيتا. عادت لمنزلها لتجد الكلب قد مات أيضاً !. نظرية جديدة فى التواصل الروحانى بين الحيوان وصاحبه .. ولكن لاوقت لديها لدراستها ، فلديها قراراً لتنفذه.

لا أمل فى أن تقابل يوم ما أمها فى عالم آخر ، لأنه لايوجد عالم آخر –حسب إيمانها- وهاهو عالمها ووطنها وكل أمانها قد رحل لحظة رحيل أمها ، ومسكنها الوحيد ... خضنها. خرجت للطبيعة تودعها ولكنها أشتمت فيها رائحة العدم أيضاً. كتبت هناك خطابها لتوضح فيه لماذا أختارت هى أيضاً الموت ... فالحياة كلها معادلة رقمية جافة قاسية ، فقط الموت والعدم هو ما يستحق أن ندعوه رحيماً

**********


"س" ... فتاة فى الخامسة والعشرين ، تعيش فى روما - إيطاليا .....

ولدت لأحيا ... أحيا لا أعيش. أنبثقت كزهرة سحرية فى روما .. عاصمة الدولة الرومانية القديمة. روما الأشهر على قائمة اليونسكو فى مواقع التراث العالمى .. روما الحرية والديموقراطية ، مهد الحركات الفكرية ، وخامس أكبر ميزانية حكومية ، وثانى أفضل رعاية صحية ، وثامن دولة تقدمية ، وسادس أشهر مدينة سياحية ، وأعلى المستويات التعليمية ... على مستوى العالم كله ! ... تلك هى روما.

ولدت لأسرة كاثوليكية محافظة ولكنى من بعد مراهقتى تركتها وتحررت. تحررت من فساتينى الكلاسيكية ذات الأكمام الطويلة التى ألتزم بها فى ذهابى للكنيسة ، وتحررت من أخذيتى الرقيقة الطفولية ، تحررت من أفكار نظامية تضعنى فى قالب باهت لايستمتع بالحياة أو الحب أو الجمال ، أو الفكر والفلسفة والفن. تطورت من فتاة تقليدية كأنشودة دينية ، لملحمة أوبرالية ... ولما لا وعلى هذة الأرض أنطلقت شرارة الأوبرا الأسطورية ، المتطورة عن التراجيديات الإغريقية ومدائح الجوقات الكنسيّة.

خرجت أتنفس الهواء فإذا به معبق بأرواح الراحلين ، جمال الفنانين ، وجسارة المحاربين ، وانتحارية العبيد المتقاتلين فى الكولوسيوم. تذوقت طعم الحب والحياة والمتعة والمشاعر المختلفة فى الأطمعة الإيطالية الفريدة التى تخاطب الحواس بأروع ما يمتعها .. فتنقل لكل مستقبلاتى معنى الحياة كاملة.

قرأت أغلب الفلسفات ، ووضعت يدى على التماثيل مكان ماوضع مايكل أنجلو اصابعه يتفقد عمله فى عصر النهضة ... سمعته يهمس لى من خلال رسومه البديعة فى كنيسة سيستاين بأفكاره الفلسفية ... يستأمننى على أسراره العقائدية ، يخبرنى أنه لم يكن بالتمام مسيحياً ولكنه هادن السلطة الدينية. أخبرنى أنه اعتنق "اليوبلاتونسيم" وهى نظام فلسفى يجمع بين الأفلاطونية والمسيحية واليهودية. يخبرنى كيف كان يكتشف التماثل فى ثنايا الصخور الصماء ، وأنه ماكان يمنعها من الحركة إلا افتقاده لتلك النفخة الإلهية التى تهِبْ نسمة الحياة.

عرفت متعة أن أرسم على لوح منصوب على الرصيف .. أن اقضى اليوم متأملة فى صورة أو تفصيلة فنية ... مستغرقة فى أغنية أوبرالية ملحمية ، مرتشفة القهوة "الإسبريسو" كأنها روح كثيفة لحكيم أو أمبراطورة ذات بشرة مخملية.

جربت حرية الحب الذى بلامسئولية. أن ترقص مع أحدهم فى الشارع .. وتتناولا فى المساء المكرونة والبستا .. تحتسيان مساءاً نبيذ بطعم الحب الخالص ، ثم يرحل كزوبعة أولمبية لآلهة إغريقية. كل واحد –مِن مَنْ أعرفهم- له عقيدة شخصية وطعام مفضل موسيقى مفضلة .. هذا هو الإنسان حالة تفرد و تنوع بعدد بصمات الأصابع.

ولكن هناك سر لم يخبرنى به أحد من القابعين فى كل هذا السحر ... أين اليقين يامعتنقى الأفكار المتجددة المتنوعة المتشككة ؟؟ لماذا ألمح الخوف من شىء أبدى فى لوحاتكم .. لماذا تمثيلكم بملامح قلقة متألمة ؟؟ لماذا اهلكت لوحاتك يا عزيزى مايكل أنجلو واتكئبت فى أواخرك ؟؟ أبعد كل هذا السمو والعمق لم تجد ما يلطف الحياة ويلمس قلبك بالفرح ؟؟ لماذا تفقد ألذ الأطعمة نكهتها فى فمى ، وتستبدل بالمرارة بعد ليلة حب زائفة يخبرنى فيها من كنت أظنه حبيبى أنى تافهة وسهلة وبلا مبادئ ، مع أنى ألمح السائحين يتلذذون بنفس أصنافى ؟؟ هل هناك حب حقيقى يدوم ؟؟ وكيف يدوم الحب وأنا نفسى أتغير كل يوم أكثر من مرة بكل أفكارى واتجاهاتى وملابسى ، حتى لايبقى منى بعد شهر شيئاً مما كان منذ شهر ؟؟ فى صدر مَنْ أرتمى وأبكى هزائمى وانكساراتى ومَنْ يربت على أكتافى ورأسى ، وهذة التماثيل بارد جامدة لاتضم من يلجأ إليها فى لهفة ، وأنا قد رضيت بها بديلا عن أسرتى واصحابى ؟؟ مَنْ يتابعنى ويقومنى وفى هذا العالم –الذى دستوره الحرية- لايوجد من يمنع أو ينظم ، كل شىء متاح وكل شىء مُحلل ؟؟

أحاول أن أهدأ وأستقر فى أعماقى ، فلا أجد أرضاً ثابتة لأقف عليها. أحاول أن أختار أى شىء فأفشل من كثرة وتعدد الاختيارات اللانهائية. أحاول أن أبحث عن يقين ... فأكتشف أنى أخترت من البداية الشك ديناً ومنهجاً. أقرر أن استمتع بالدنيا كأدنى حالات الضمان غير مبالية بالأبدية الغامضة .. فينسكب محيطاً من المرارة الأبدية عابراً حاجز الموت ليغرق حياتى. أجزع من قتامة الظلام المحيط بروحى الذى يجعلنى اتخبّط ، رغم روعة الأضواء حولى .. والتى بكل سحرها وقوتها لاتساعدنى على الاختيار .....

**********




"س" ... فتاة فى الخامسة والعشرين ، تعيش فى لندن-بريطانيا .....

ولدت "س" لعائلة لها جذور ملكية ربّتها كأميرة ، وأحبت هى ايضأ أن تكون كذلك. الحياة الملكية ذات ضريبة باهظة من الألتزام والتحفظ والتأنق وحساب كل شىء ، بتداءً من الابتسامات والإيمائات الخطوات ورشفات الشاى .. وانتهاءً بحسابات العقل والقلب. ولكنها أرتضت أن تدفع تلك الضريبة كاملة عن طيب خاطر ، مقابل هالة أحترام الذات التى كانت ترافقها منذ نعومة أظافرها وحتى صارت فتاة ناضجة.

لم يكن لها أبداً صديق أو حبيب لأنها كانت تعرف أنها إن حفظت نفسها كأميرة سيأتى يوماً ذلك الأمير ذو الفرس الأبيض والرداء الأرجوانى ليضمها إلى قلبه بينما تحمل عصفورتان طرحتها الرقيقة.

كانت مثلها الأعلى الأميرة ديانا .. أميرة القلوب. كل يوم تضع نفسها فى فستانها الملكى يوم زفافها ، ونتظر للمرآة فترى على وجهها ابتسامتها الخلابة التى تجمع خليطا رائعاً من الخجل والثقة والرقة والبراءة والأنوثة والأمل والصدق. كانت تتابع أخبارها فى شغف وفرح ، كأنها تراقب قصة حياتها المستقبلية بفضول يتعطش أن يعرف ما الذى سيحدث لها –لى- لاستعد لاستقباله.

يوم طُلِقت ديانا انكسر داخل "س" صرحاً كبيراً ، ونزفت من الكسر أسئلة كثيرة متدفقة بلا إجابة .. كان أكبرهم "لماذا؟". أليس الحب الصادق والقلب الصالح كفيلان بحفظ السعادة الأبدية ؟؟ إذن "ماذا حدث" ؟؟ ولكنها لم تجد إجابة شافية ، خاصة أنها تحتقر لغة الصحافة المبتزلة الباحثة عن الفضائح.

واحد من أسوأ ثلاثة أيام فى حياتها كان يوم وفاه الأميرة ديانا فى حادث سيارة بنفق بباريس يوم 30-8-1997. مات فيها ذلك الشىء الذى كانت تحاول تضميده وإسعافه بأجتهاد طوال العام السابق مابين الطلاق والوفاة. تلك المرارة التى سكنتها فى ذلك اليوم لم تفارقها أبداً وإنما فقط اعتادتها مع الزمن ، وكيف تنسى أميرة القلوب وصورها تحاصرها مع الأطفال والمرضى ... كانت تريد أن تتحول لملاك بشرى مثلها ، ولكنها ماتت كفتاة أمريكية مستهترة فى حادث سيارة مع صديقها ، فهل الحفاظ على الهالة الملائكية والفستان الأبيض والشمعة والجناحين الصغيرين صعب إلى حد التفريط فيهما وإنهاء الحياة كاملة على النقيض ؟؟

مضت تكمل مسيرتها وهى تحاول استئصال ذلك الجزء الأخير من القصة الملكية الأسطورية ، وتنوى تعويضه بجزء من حياتها الخاصة ستجتهد لتجعله مناسباً. مضت فى ألتزامها بجهاد ضد طبيعة المجتمع الحر ، وضد رغبات بدأت تتفتح في أعماقها كأزهار برية متوحشة. حتى أتى ثانى أسوأ أيام حياتها ....

7 يوليو 2005 .. تفجيرات لندن ، كان والدها –الذى له دور رئيسى فى قصتها وضعته فيه موضع البطولة- يستقل مترو الأنفاق كعادته عندما قام أرهابيون بتفجير قنابل شديدة الأنفجار داخل أحد الأنفاق ... الذى تصادف –أو بقصد درامى- وجوده فيها. مرة أخرى ينكسر فيها شىء عظيم جداً ! ... ماتت السلطة الأبوية التى كانت تلملمها فى كفّ يعرف معنى أن يحتوى ويوّجه ، تمزق إلى أشلاء ذلك الزراع الذى كانت تتخيل نفسها تتأبطه على باب الكنيسة ليسلمها لفارسها وهو يقاوم شلل نفسى يتمسك بها ولا يريد التنازل عن تلك اللؤلؤة. لم يعد وجود لذلك الرجل ذو الشنب الكثيف الذى يرتدى الصديرى "الكارو" الأنجليزى الشهير ويصب الشاى فى الطاقم الصينى الموقع من أحد جنرالات الحرب أو الدوقات لها ولزوجها ولأولادها فى عطلة الكريسماس ... تمزق داخلها صرح أخر أكبر من سابقه ليحل محله حطام وخراب.

أكملت دراستها فى معهد لندن للأقتصاد ، رغم أنه لم يكن طموحها ، ولكنها الآن لاتريد أن تبتعد كثيراً .. تدرك تماماً أنها أضعف من أن تصمد بعيداً وحدها ، ستمكث فى مدينة الضباب بعد أن تمكن الضباب من قلبها.

وجاء فارسها ... تماماً كما تخيلته !! بنفس تلك الشقرة المتدرجة للبرتقالى ، والرموش الطويلة ، والأصابع الرشيقة ، والحلة العسكرية ! ... هو ... لم تصدق أنه موجود ، ولم تصدق أنه يريدها بكل هذا الحب والصدق ، غزاها من داخل الحصان الخشبى البسيط كطروادة المحصنة ... عبر بمنتهى اللطف إلى حياتها ولما أستقر اكتسحها.

توجته على قلبها ، وتوجها أميرته فى حفل كان كأروع أحلام الجنيات ! ... معه نسيت كل الآلامها ونوت أن تكتب قصة تُسفّه كل الأساطير أمام روعتها.

ثم جاء قرار الحرب على أفغانستان ضد الأرهاب ! ... سريعاً أنتهى الحلم الجميل ورحل حبيبها وأميرها ليؤدى واجبه. كانت تنتظره كل صباح وكل مساء حتى فى غير معاد الأجازات .. تسأل هل لو جمعوا جمر اللوعة واللهفة اللذان يعتملان فى صدرها شوقاً لحبيب روحها وصنعوا منه قنبلة ، يمكن أن يتركوا زوجها مقابل هذة القنبلة شديدة التدمير الأقوى من القنبلة النووية ؟؟

تتفقد كل يوم أماكن نزهاتهما على نهر التيمز وتسأل مافائدة الحرب إن كانت لاتعيد شيئاً وتأخذ أهم شىء ، أنا –لا ذلك الرئيس الأمريكى الأبله- من يحق له أخذ قرار المشاركة فى تلك الحرب ذات المصالح النفطية ، لأنى من أكبر المتضررين من الأرهاب فى أبى ، ولكنى لا أعرف ماعلاقة ذلك بصفقات نفطية قذرة ، وتيتيم المزيد من الأطفال ؟

وجاءها الخبر الذى ماكانت تخشى إلاه ، جاءها فى نفس اليوم الذى عرفت فيه أنها تحمل فى احشائها الأمير الضغير الذى كانت تنوى تربيته لتجعله مثل أبيه فيكون الفتى الأروع فى الكون. مات حبيبها نفس ميتة أبيها البشعة التى تجعلها لاتعرف مذاق النوم ، تستيقظ مفزوعة -كلما غفلت- وهى تدفع عن وجهها أشلاء دامية ... صارت الأشلاء فى الحلم خليط من أحشاء والدها وزوجها ... وفى أحشاءها الملتهبة ترقد قطعة صغيرة من إنسان تطمع ببراءة فى النمو والاكتمال.

تبكى كل يوم بانهيار وهى تتحسس بطنها وتشعر بفداحة اللحظة التى ستتلقى فيها سؤال من تلك القطعة الغير ناطقة –حتى الآن- عن والدها ... على الأقل هى فقدت والدها بعد أن حفظت صورته ، ومازالت تستطيع أن تغمض عينيها وتتذكر رائحة أنفاسه وهو يطبع قبلة على صدغها ، أو دفء كفه الكبير وهو يربت على وجنتها ... أما هو ، ماذا تقول له ؟؟

تتذكر ذلك الـ"تونى بلير" بأذنيه الكارتونتين وعيناه المستديرتين الغبيتين وتشعر نحوه بحقد وغل وكره لاحدود لهما. كيف يورط "زوجها تحديداً" فى تلك المهزلة ويمنعه من أن يرى أبنه ، ويمنعها من أن تجد الدعم المعنوى أثناء حملها الأول وولادتها وتربية أميرها الصغير ، وهو الذى أخذ أجازة من مدة ليرافق زوجته النائبة الأربعينية فى ولادتها الرابعة !! ... تشعر بكره واحتقار لتلك الديموقراطية التى تأتى بهذا القرد وصديقه الأمريكى ليعبثوا بشعوبهم وشعوب أخرى أضعف.

الآن هى صارت أرملة عشرينية ، بجنين يتيم ... تحيا حياة ضبابية كاملة بلا ألوان ولا رؤية ،هاهى الأسطورة تحترق ، ينسكب كأس المرارة على الصفحات ليلوث ويقبح كل اللحظات ويورّث طعم العلقم حتى ما كان حلواً منها ... صار نهر التيمز نهر دماء لايطهر أحداً ، بل يلوث ويتلوث من أيادى السياسين القذرة.

من عمق الألم تنزف المزيد من الأسئلة ... ما الخطأ الذى وقعت فيه لأواجه كل هذا ؟؟ لقد أخلصت لروايتى .. التى تبدلت لمأساه درامية لايوجد بها حتى مايدعو للفخر كأسطورة أيزيس وأوزوريس المصرية أو الملاحم الأغريقية ... فالدفاع عن الخير والحق لم يكن محرك لأى من أحداث القصة ؟؟ فقط فلم رعب بآلات جهنمية معاصرة هابط مؤلم بشع مقزز بلا بطولات. ولكن إين الخطأ ؟؟