الخميس، 17 يناير 2013

مشهد –غير إباحى- لأمرأة تستحم






      لأنها لاتلبس الأسود لتعلن حداد ... أو تلبس ثوباً غالياً يضعها فى قالب يدلل على طبقتها الاجتماعية .. لأنها لاترتدى فى هذة اللحظة مايصف ثقافتها أو ديانتها أو جنسيتها ... فقط تتسربل بالماء ! .. تتسربل من أعلى رأسها حتى أخفض قدميها ، كما لاتفعل أشد النساء تخفظاً فى أغلق المجتمعات.


     ولأنها تُحتَوى فى غلالة دافئة .. تلك الحالة التى لم تلتمسها من وقت سُكنى الرحم .. تتغلّف بالدفء الجارى ، حتى لتشعر أنه لايوجد مكان بارد فى العالم أكثر من قلبها .. لاتوجد تيارات هوائية أو عواصف هوجاء إلا فى فضاء روحها .. لاتوجد قضباناً باردة أكثر عظامها .. وكل الأعماق السحيقة للمحيطات كأعماق أكواب اللبن الدافئة الصباحية الشتوية لتلاميذ المدارس ، بينما البرد الحقيقى يكمن من عمق مليمتر واحد تحت سطح جلدها .. وحتى أعماقها المتجمدة الغير متناهية.

     لأنها فى حالة تشّم فيها الحنان من دفء وملمس الماء ، وتلمس الأبخرة وتقبضها بأنفاسها. ترى من خلال شفافية أجفانها المغلقة لون المياه القاتم ، إذ لايريد له الاحساس أن يكون شفاف ليعبر من خلاله لأى شىء أخر .. بل أن يكون شديد القتامة ليمتص كل أشعة النفس الهاربة .. لايتركها تهرب للمجهول فزعة ، أو يعكسها لنفسها فتعود خائبة تطعنها بالمرارة.


     ولأنها تتذوق على لسانها مذاق النار الذائبة فى الماء ، وتسمع دغدغات القطرات لبعضها .. صوت رقرقة الضحكات الوقور.


      ولأنها تتجرد من المساحيق وقصعات الشعر الرسمية والمجنونة ، الكل ينسدل فى تعبد وخشوع لقانون الجاذبية .. الجاذبية الأرضية التى تأخذنا بلاتوقف حتى نستقر فى أعماقها بعد طول نضال ضدها فى نمونا.
     ولأنها تعرف أن النصرة دائماً للأرض ضد مقاوميها ، فهى تمتثل لها باستسلام لتصبح شريكة فى النصرة حين تجىء.


     لأنها وحدها فى امتزاج مع العنصر الأساسى والضرورى للحياة .. ينسكب عليها ويحيطها ويكتنفها كالموسيقى .. فالتجربة ليست إباحية للمتأمل على أى حالة ، بل هى حالة –إن جاز التعبير- صوفيّة .. شديدة الخصوصية.