الأحد، 26 يوليو 2009

ارشــادات الــعــيــاط !


#لو كان الوقت صبح وألحّ عليك البكا... ، سهلة مش متحبكة. اسحب الفوطة على كتفك وجرى ع الحمام.... أوعى تكسّل وتنام... هاتنكشف لو عيطت فى السرير.
افتح الحنفيّة على أخرها... صوت المية فى الحوض هايغطى على رنات الدموع... وماتنساش تستخدم الصابونة... أملّى عنيك ومناخيرك بالرغاوى المجنونة... أمال هاتبرر إزاى حمرة العيون ، والتكشيرة اللى بملامحك –عالصبح- معجونة؟؟

#لو حسيت أن الحركة السابقة ماكفتش.... سيبك من غسيل الوشّ ، وخد بسرعة قرار جديد... هاتاخد –ولامفر- دشّ!. لو لقوك طولت فى مجرد غسل وشّ ، أو خفت تقفل الحنفية وماتعرفش توقف نقط الدموع.... ، ماتتربكش. تحت الدش الفرصة هاتبقى أكبر... ممكن دموعك تبقى أكتر... براحتك ، لأ وكمان فى خاصية ماحصلتش ، ممكن تغنى بصوت مخنوق... احساس محروق... وهايفتكروا دا صوت السخان بيوشّ.

#وأنت خارج أوعى تنسى الجرنال... خلّيه مفتوح على صفحة الحوادث... ولو وأنت فى زنقة الأتوبيس زنقتك دموعك ، وماقدرتش تقفشها... اطلقها... وقول لكل اللى هايبصلك بتعجب...بصوا !... حسوا !... إزاى الأم تخنق بنتها علشان تتجوز جوز أختها ...اللى قتل مرات عم خالة بنت عمة ستها !....
هتلاقيهم كلهم بيعيطوا بحرقة ، ويشاركوك ، ويترحموا على اللى ماتوا... وبيشتموا ويلعنوا آخر جدود اللى قتلوا وخانوا. ماتفتكرش أنهم فهموك ، ولافهموا القرابة ، أو انفعلوا لغرابة جريمة وزمن ماعدتش فيه تآمن لأخوك.
ده كل واحد كان كاتم دموعه... وبين ضلوعه ألم كبير ، وأمل كبير فى واحد مثقف زىّ حضرتك معاه جرنال.... إن شاء الله يفتح صفحة إعلانات الأفلام... برضوا كانوا –وإن غيّروا الكلام- رجالة وستات هايحولوا الأتوبيس.... لأتوبيس نهرى عايم على الدموع.

#لو أنت فى الشغل وفى عزّ الأنهماك... حسيت دموعك خنقاك... عيّط . هتلاقى زميلك فى المكتب اللى قدامك بصلك بأرتباك.... أدخل عليه....
لو كان بيقدس الحياة الأسرية ، قوله النهاردة الذكرى السنويّة لطيبة الذكر خالتك فوزية. ولو فنان شاعر أو رسام قول بس "جاهين" هتلاقى دموعه ملوّ العنين... ممزوجة بشبح ابتسام مليان حنين. ولو ليه فى النقد والأفلام قول برضه نفس الاسم السابق ذكره... هايجى فى فكره المخرج الولهان.
ويفضّل استخدام الاسم السابق –"جاهين"- علشان لو حصل ألتباس فى ميول زميلك الفنية... هاتبقى بالاسم ده كدة كدة مرضيّة.
أوعى تحس بالذنب لحظة أنك عيطت زميلك... دا أنت قدمتله جميل بالمجان.... كده هيلاقى حجّة لما يرجع البيت للمدام ، وتسأله على ميّة وحداشر اللى بين حواجبه... أو الخرس الزوجى اللى بقاله قرن من الزمان... وليه مشكرهاش على عمايل إيديها... وليه مذاكرش للواد اللى عنده بكرة امتحان.

#وأنت فى البيت خلّلى إيديك على ريموت الدش... واحفظ أرقام قنوات الأخبار.... أول ماتهرب منك الدموع أنهار...افتحها.
بنسبة تسعة وتسعين فى المية هتلاقى قدامك منظر يسبب –مش بس الدموع- لأ.... انهيار. صور أطفال أطرافهم مقطّعة أو ملاك اسمه ندا فى إيران بيموت ع الهوا... مجاعات وفيضانات... عطش وجوع وقتل وحروب... جثث مرميّة فى الشوارع متكفنة بالدم والتراب ، وعنيها برعب مبرقة.
ماتقولش حاجة... كل اللى هايشوف المشاهد هايشكر الفرصة ، علشان يعيط بحرقة غير مفتعلة... كان نفسه من زمن بس مش لاقى سبب وجيه... ولاقاه أخيرا بضغطّة صوباع سعادتك على زرار.... ماتحرموش.... وهات النشرة والموجز وآخر الأخبار.... عيّط وسيبه يعيّط.... فرصة من غير ماحد يتهم حد بأنه "بسكوتة" أو "حساس" و "رقيق".

#"بتحس" أو "رقيق"..... اتهامات بشعة أوعى تلبّسك... حاسب ودافع بكل طاقتك لحسن من بعيد تلمّسك . بقت فى الزمن ده مرادف لــ"عبيط" و "أهبل" و "محتاس".... "ضعيف" و "مدّاس".
أوعى تتمسك بتعيط على أحد المشاهد الرومانسية... أو القصص اللى بيموت أبطالها بأمراض مستعصية... أو سرحان وسرحانة دموعك مع أغنية. أوعى تنسى نفسك قدام كلب جربان فى الشارع... أو قطة فرماها عربية ، وأولادها المغمضين ملمومين حوالين جثتها مش فاهمين... بينونوا مزعورين.
أو تعيط على طفل حافى فى عز البرد ع الأسفلت بيبيع مناديل فى إشارة ، والناس قافلة القزاز ومش سامعين نداه الضعيف.
أو بنت صغنونة الضرب معلّم على جسمها... بتمد إيديها تشحت والدم لسة مانشفش على كمّ فستانها القذر.... المقطّع زيّها.
أوعى تتقفش بتعيّط زعلان على حال البلد... أو صعبان عليك ولد الظلم دبحه ، وماعندوش فلوس ولا نفوذ تنشله ن نار بتكوى كل يوم الصبح جرحه ، وماصرفولوش مع البطاقة وتصاريح القهر..... تصريح يعيط... ممنوع!

#أنت ماتعرفش؟؟....دا قانون من زمان مسنون... ومعاه ألف نص ونصل من السخرية والاستهزاء والاستنكار والقسوة والتجاهل مسنونين...
أيوة قانون بيصطاد كل اللى بيعيطوا ، وبيلخبطوا مزاج الناس. ياعم "فكّك".... "كبّر".... "عيش". دى الدنيا غابة حتى الديابة دلوقتى مالهاش فيها فرصة. لأ مافيش.... غير للبنى أدمين للى عندها قدرة تدوس على البنى أدمين من نفس فصيلتها.

#دموعك أكيد ليها أسباب..... أنساها.... ولو إن حتى لو نسيت دموعك مش هاتنسى.... حتى لو قسيت.... دموعك صعب تقسى.
أقولك !!!!!!!....... ده عصر العلم والتخصصات الطبيّة.... خلّى لجريان دموعك أسباب عضويّة.... ألتهاب فى الجفون أو قطع فى العدسات الملزوقة ع القرنيّة.... عيّط براحتك... عيّط قوى.... وقولهم أصل العدسات دى مش مصنوعة بذمة... طلعت من أنواع رديّة.... حطّتها فى عينى أطراف صوابع بتنقّط قسيّة ، محتاج لقطرة حنيّة.......لأ ماتفهمونيش غلط ، مش لروحى طبعا.... أقصد لعنيا.

الثلاثاء، 14 يوليو 2009

اهتمام(اللى بيتخنقوا..يمتنعون)ادينى قلت


استيقظت تكاد تختنق، الرطوبة حولتها لجسم لزج والعطش يعذب حلقها.... انتفضت جالسة تحاول أن تتنفس وامتدت يدها لتشعل "الأباجورة" التى بجانب سريرها.... رفعت عينها لمكيف الهواء فلم ترى تلك النقطة الخضراء الواهنة... من أطفأه؟!بالتأكيد لا أحد.... فهى تعيش وحدها فى هذه الشقة الفاخرة الواسعة، خمنت..... ربما انقطعت الكهرباء أثناء نومها ولمّا عادت لم يعد المكيف تلقائيا للعمل.

أشعلته وهمت أن تقوم من سريرها لتشرب. التقت عيناها بعينىّ الدمية الجالسة على طرف سريرها ...ابتسمت "هل ضايقك الحر أنت أيضا... أتريدين أن احضر لك ماء بارد؟". انتظرت برهة كأنها تنتظر جوابا... ثم ضحكت ضحكة قصيرة وقامت.

تذكرت كيف أهدتها أمها هذه الدمية وهى فى الرابعة عندما عادت من حضانتها تبكى، كانت تريد أن تكون لها "أخت" كمعظم زميلاتها.... فأحضرت لها أمها هذه الدمية وقالت لها أنها أختها. تتذكر أول صورة التقطت لها مع الدمية، كانت الدمية أطول منها بحوالي شبّر!........... ظلت هذه الدمية "أختها" الوحيدة حتى بعدما أدركت لاحقا أنها مجرد دمية.

سارت على ضوء "الأباجورة" الهادئ باتجاه باب حجرتها، توقفت أمام التسريحة وامتدت يدها لتمسك بإطار الصورة الذى يحوى صورة والدها ووالدتها.....قبل عامين كانت عندما تقوم بفعل مثل هذا..... تشعر بألم فى صدرها ...وتفيض لاإراديا دموعها.... كانت تبكى كل يوم بعدد المرات التى تقع فيها عينها على الصورة، ولم تفكر أن تغيّر مكانها... أما الآن فكلما تنتبه إلى الصورة ترفعها إلى شفتيها تقبلها.... وتسرى فى روحها مشاعر هادئة دافئة... حالة من الحنين والوحشة تستلذها.

أعادت الإطار إلى مكانه وتممت بدعاء لأبويها تطلب لهما الرحمة... تشرب وتعود تجلس إلى فراشها ، من طباعها أنها إذا استيقظت لا تستطيع بسهولة العودة إلى النوم. كم الساعة الآن؟..لاتهتم.. تفكر فى برنامج يومها الذى على وشك البدء ... يوم مزحوم وطويل. تشرد فى لاشئ ..... تسقط عينها على هاتفها المحمول ... تنظر إليه...... تترجاه أن يرن الآن بأى طالب ... ذهنها مشحون وتريد أن تتحدث ولو لدقائق قليلة. يضئ الهاتف ويغنى أغنيتها المفضلة، تلتقطه بلهفة... أبهذه السرعة تكون الاستجابة! ... ولكن يخيب أملها ، كان هذا المنبه... تتذكر أنها استيقظت بدون مساعدته اليوم... تشعر بالخجل وكأن الهاتف شخص لم تستطع أن تضبط أمامه رغبتها.

تنهض برشاقتها المعهودة حافية كما تعودت أن تفعل، تؤمن بفكرة غريبة ...أننا يجب أن نتلامس مع الأشياء قدر استطاعتنا ...ونفهم ن كل لمسة رسالة!. تفتح النوافذ وتزيح الستائر ...تغنى تلك الأغنية التى كانت نغنيها لها أمها وهى توقظها للمدرسة... ولكنها تشرد فتسكت.تتجه للمطبخ وتفكر فى نوع المشروب الذى ستعده... اغلب الناس لديهم مشروب ثابت للصباح ... أما هى فلا ... تحاول كل يوم أن تصنع مشروبا مختلفا ... وتستبعد تماما المشروبات سريعة التحضير... تقول لمن يتعجب من غرابة طبعها "أحب أن أشرب شيئا معمولا باهتمام حتى كفكرة لا أحب أن أشرب مشروبا مكررا يوميا... شئ ممل"!. مرة رأتها صديقتها –التى تعمل معها- تصنع قهوة من نوعين مختلفين من البن، وتضيف حبات تعطى نكهة خاصة فتهكمت "أنت أكثر الكائنات فراغا وراحة بال... الوقت والجهد الذى بزلتيه فى اعداد مشروبك أبزله أنا فى اعداد الإفطار لزوج وثلاثة أطفال"... كان ردها ضحكة مجاملة تزامنت مع غصة فى حلقها اجتهدت أن تبتلعها. تتذكر كل هذا فتقرر أن تعد هذه القهوة المعقدة.تتعثر فى طريقها للمطبخ بطرف السجادة... تشعر وكأنها كلب أليف يلحس بطرف لسانه قدمها ...فترد عليها بابتسامة.

كم تمنت أن تقتنى كلب تهتم به ويهتم بها.... لطالما رفضت أمها هذة الأمنية، لأنها لاتثق فى نظافة الكلاب ، ولما ماتت أمها لم تشأ أن تخالف أمرها حتى لاتغضب روحها...

تصنع قهوتها...تشربها وهى تستمع لموسيقى الراديو وفى يدها كتاب.تدمن قراءة الشعر ، شرط أن يكون كاتبه شاعر راحل!. لاتعرف لماذا لا تصدق الشعراء الأحياء .... تتخيل أن أرواح الشعراء الراحلين تهتم بالقارئات .... أما الأحياء منهم فأرواحهم مع أجسادهم مشغولة فى دوامة الحياة.

تنتهى من القهوة فتغلق الراديو ..تضع علامة فى الكتاب واعيده إلى المنضدة ....وبنفس السرعة والرشاقة التى فتحت بها النوافذ تغلقها.ترتدى ملابسها فى عجلة ، ولكن لاتنسى أدق التفاصيل ....لكل طاقم ترتديه حذاءه الخاص والحقيبة ....خاتم وقرط وعقد ....بل وعطر خاص لكل بضعة أطقم من الملابس!.بشرتها الرائقة النضرة وملامحها الجميلة تجعلها لاتحتاج إلى استخدام الكثير من مساحيق التجميل ، فقط بعض الرتوش الخفيفة لتصنع لوحة متناسقة الألوان مع الملابس والحلى.

تلتقط حقيبة أوراقها ومفتاح سيارتها... ولاتنسى الهاتف المحمول وزجاجة العطر التى استخدمتها اليوم... وأخيرا النظارة الشمسية. تتم عند الباب صلاة قصيرة كانت قد لقنتها لها أمها... تدعو فيها الله أن يحفظها فى يومها ،وأن تسعد برفقة ملاكها الحارس ، تشعر بشعور مميز عندما تتذكر فى تلك الثوانى القليلة أنها لسيت وحدها.تلقى الصباح باسم لحارس العقار وسائس السيارات... ورغم أنها تعانى من حساسية فى عينيها من الشمس إلا أنها ترتدى النظارة الشمسية فقط أثناء القيادة... تؤمن أن تحية الصباح –وأى تحية- تخرج من العين قبل الفم لذا لاتستخدمها طالما ستقابل بشر وجها لوجه.تقود حتى المصرف الذى تعمل به... تركن السيارة بسلاسة ...تنزع النظارة الشمسية وتدخل المصرف بخطواتها الأنيقة الواثقة. تحيّ كل من تقابله فى طريقها من عملاء وعاملين حتى تصل إلى مكتبها ...تجلس بسرعة وتلقى بما فى يدها على المكتب .... تخرج منديلا ورقيا لتمسح عينها التى أتعبتها الشمس.تفتح الحاسب الآلي الخاص بها وتفتقد صندوق البريد الألكترونى الخاص بالعمل.... رسائل تذكّرها بجدول أعمالها اليوم والعملاء المفترض حضورهم.......و...... رسائل تهنئة بعيد ميلادها... كانت قد نسيته تماما... أنها الأسبوع القادم....رسالة وارده من مدير المصرف –تراه الآن من خلال الزجاج الفاصل بين مكتبه ومكتبها- وباقى الرسائل من المديرين الأجانب فى ثلاث دول أخرى. تبا لتلك النتائج الالكترونية.... بالتأكيد لم يكلفوا أنفسهم عناء أرسال هذه الرسائل ..... والأكثر تأكيدا أنهم لم يتذكروا عيد ميلادها .... كل شئ الآن يحدث الكترونيا. تمسح الرسائل دون أن تفتحها ...فبداخلها كروت إلكترونية تحوى ورودا وحلوى وأمنيات وأغنيات...... كلها الكترونية.تتناسى عيد ميلادها الآن "مازال الوقت مبكرا لأفكر فيه".

تبدأ العمل... تنخرط تماما فى العمل ساعات متواصلة دون أن ترفع رأسها من على الشاشة المضيئة ، حتى تخرجها من اندماجها الكامل دقات على الباب... "ادخل"... يدخل موظف من المختصين باستقبال كبار العملاء يذكرها بموعدها مع المدير المالى لأحدى الشركات الشهيرة... وهو ينتظر فى الخارج... ترد بسرعة وحماس أن يدعوه للدخول.. يغادرها... تخرج من حقيبتها مرآة صغيرة وتعدل من وضع خصلة شعرها بحركة تلقائية... تلتقى عيناها بعينيها فى المرآة ...تنتبه.. تخفض يدها التى تعدل شعرها ببطء "مالك مهتمة به هكذا؟".... "مهتمة به؟!!! أبدا".... "لا...أصبحت تنتظرين زيارته فى الأيام التى يأتى فيها للمصرف". "أبدا أبدا... اهتمامي به كأهتمامى بأى عميل.." ..."عميل!.... وهل ضرورى أن تتأكدي من جمالك قبل ملاقاة العملاء ؟" تضم حاجبيها بغضب "أجل ...أنا أمثل المصرف"..ترى عينها فى المرآة وقد برزت منها سخرية "ولكنّ المصرف لا يشترط أن يراك العميل.....أنثى!".

يدق الباب بطرقات هادئة وترى يد الباب تدور..فتلقى المرآة على الأرض تحت المكتب بحركة سريعة لاإرادية... يدخل العميل يسبقه عطره الباريسى.. وتنهض فى حركة تلقائية لأستقباله... تمد يدها بالسلام .. تشير إليه بالجلوس ...يتبادلا التحيات فى سرعة.يأتى يومان –بحكم طبيعة عمله المباشرة مع المصرف- إلى مكتبها ،هى أيضا المسؤلة عن مزاولة الأمور الخاصة بالشركة التى يمثلها. يتحدثا فى أمور العمل بسرعة تميز طبيعة العمل يتبادلا أثناءها الأوراق والملفات... تسقط منها ورقة على الأرض فتنحنى لتحضرها... ترى المرآة... تتذكر حوار المرآة السابق لدخوله... ترفع رأسها وقد امتقع وجهها ، تهتز يدها بحركة عصبية تلازمها عندما تضطرب... يلاحظ ... يسألها هل هناك خطب الما؟ ... ترد بسرعة بــ"لا" .... يقترح أن يكملا بعد استراحة الغذاء ... تؤكد وهى تنظر فى الأوراق متحاشية النظر فى عينيه أنها بخير ...فيكرر عرضه ويضيف أنه يفضل أن يكملا بعد الاستراحة لأنه يريد أن ينهى أيضا العمل الخاص بالأسبوع المقبل.. تسأله فى اهتمام وقلق واضح "لماذا ألن تأتى الأسبوع المقبل؟" .... يرد بابتسامة ودودة "للأسف لا...سأكون فى أجازة" .... تحاول بكل طاقتها أن تخفى ضيقها ،وتبتسم كأنها تطوّع صلب "أجل الجو خانق جدا ...بالتأكيد ستذهب إلى مصيف..". يرد بنفس الود والابتسامة "فى الحقيقة لا... ولو أنى كنت أود ...لكنّ الأسبوع القادم لدى مناسبة خاصة"، تهز رأسها وتكتم بأقصى قوة فضولها... يلاحظه فيستطرد "خطبتى الثلاثاء القادم" ، ترد "مبروك".

يستأذن فى الانصراف على أن يلتقيا بعد استراحة الغذاء. تنحنى بسرعة وتنظر فى المرآة دون أن ترفعها من الأرض "أرأيت لقد قلت له مبروك... هل كان هذا سيكون ردى لو كنت مهتمة به؟"، لاترى الرد فى المرآة ...فدموعها سقطت على سطحها لتشوّش الرؤية. ترفع راسها وتمحى بهلع آثار الدموع فى عينيها....

تجلس طول مدة الاستراحة شاردة ... حتى أنها لا تشعر بأنتهاءها.... ولم تلاحظ أيضا أن المدير لم يغادر مكتبه هو الآخر ، ولم يتوقف عن أن يلاحظها بنظرات خاصة جدا بين الحين والآخر من خلال الزجاج الفاصل بين مكتبه ومكتبها.يعود –العميل- بعد استراحة الغذاء ويكملا العمل. كانت تعانى من تعب حقيقى ... فلم تكن معتادة على قضاء وقت الاستراحة فى المكتب المغلق ... كانت تخرج للهواء تجدد نشاطها وتتناول أنواعها المفضلة من الحلوى التى تمدها بالطاقة لتكمل باقى اليوم....اعتذر لها إن كان قد أثقل عليها .... فنفت تماما أن يكون هو السبب. أنهت أوراقه بطريقة آلية خلت حتى من ابتسامة العمل العادية. استأذن فى الأنصراف ... هنأته بالخطبة مرة أخرى ...وانصرف....

لأول مرة تتمنى أن تترك العمل قبل المواعيد الرسمية... دائما ماكانوا ينبهونها إلى المعاد ، أما اليوم فتشعر بثقل الوقت. تلهى نفسها بعمل أخر على أمل أن تكسر الملل ، وكالعادة تندمج وتنهيه .... تطبع الأوراق وتنهض لتعرضها على المدير .... تدق الباب وتدخل ... منصبها يعفيها من المرور على "سكرتيرته" التى تحمل كل عيوب "السكرتيرة" وكل مزايا المرأة.يحيها أول ماتدخل بــ"كل سنة وأنت طيبة" ...لم تكن تتوقعها أبدا ... تتسمّر مكانها فى منتصف مكتبه ملامحها الرقيقة لاتعير عن شئ.... يضحك بحياء... ويعتذر إن كان احرجها. تستعيد الاتصال بملامحها فتبتسم ابتسامة مجاملة وتشكره... ثم مباشرتا تضع أمامه الأوراق وتشرحها برعة وحِرفيّة ... يبدو وكأنه غير مهتم ، رغم أهمية المشروع وحجم رأس ماله... وعندما تنتهى وتنظر إليه منتظرة تعقيبه. يأتى غير متوقعا على الإطلاق كالتحية الأولى "كيف ستقضى عيد ميلادك؟" ...تشعر أنها تتحدث لغة غير مفهومة ...أو هو كذلك... تفقد الاتصال بملامحها مرة أخرى ...يلاحظ فيغيّر الموضوع مخفيا قدرا لابأس به من الإحراج ...يتحدث عن المشروع وتفكر هى فى مغزى سؤاله. لمّا كانت تتكلم هى كان هو يفكر ولا يسمعها .... والآن تفعل هى نفس الشئ. ينتهى من حديثه ، تدرك هى من اختفاء الصوت الذى كان خلفية لتفكيرها. تسحب الورق من أمامه ، تبتسم ابتسامة العمل وتستأذن بالانصراف ...تنصرف دون أن تسمع رده.

تعود لمكتبها تجمع أشياءها وترتب أغراضها لتغادر.... لاتنظر للساعة ستغادر على أى حال .... لايمكن أن تجلس فى مكتبها الذى يفصله من مكتب المدير فاصل زجاج... تشعر أنها تحتاج أن تذهب إلى كوكب آخر ليس هو فيه لتفكر بهدوء فى الدقائق السابقة.تقود فى اتجاه "الكازينو" المفضل على النيل. لاتريد العودة للمنزل الآن... "سأتناول غذائى فى الخارج". طول الطريق شاردة.....فى لاشئ.... فقط تعبر أمام عينها صور لأشخاص كأنها صور لبطاقات شخصية ... رسمية جدا وبلا مشاعر.تنتبه أنها وصلت...تحمل أشيائها وتنزع نظارتها الشمسية تلقائيا .... تخرج من السيارتها ثم... ترتدى نظارتها الشمسية بعصبية! تعرف لماذا تصرفت هكذا ، ولكنها لاتريد أن تناقش مع نفسها الآن. تجلس فى تلك المنضدة المعزولة كالجزيرة ،التى طالما جلست عليها "معه".... كان هذا أيام الجامعة.... من سنوات لاتريد أن تذكر عددها ، فلتبقى "سنوات" حتى تظل لآخر العمر "سنوات" ولاتشعر أنها تبتعد كثيرا مع مرور الزمن... تطلب مشروب الفاكهة الذى كان يحبه وتطلب وجبتها المفضلة التى كان لايحبها. كان يقول لها أنها عنيدة وغريبة حتى فى طعامها... تحتاج جدا أن تذكّر نفسها بهذا الآن ...إنها عنيدة... تشعر أنها مخفية عن الأعين لأنها ترتدى النظارة الشمسية ...تسأل نفسها "هل لو بكيت الآن سيرى الناس إني أبكى؟".... تصل الوجبة.... تلتهمها بسرعة ...أنا عنيدة ...أنا عنيدة.

لو كان أبواها وافقا على ارتباطها به ما كانت ستظل عنيدة. كانت تبحث عن من تقدم له قوة شخصيتها قربانا ...وتستمتع بالضعف الذى طالما اشتاقت إليه.... رفضاه لفارق المستوى الأجتماعى والمادى ،ولم يعلما أنه الكاهن الأخير الذى يعرف كيف يُصعد قرابينها... رفض بنبل ورفضت بكرامة إلا أن يخضعا.... تتذكر آخر لقاء كان هنا ...تصافحا وهما يبتسمان كأنههما قائدان مهزومان فى معاهدة سلم. ولم تعد لهذا المكان إلا بعدما علمت أنه هاجر لدولة أوروبية ....فى نفس اليوم جائت وهى واثقة أنها لن تقابله ... جلست وطلبت عصيره ووجبتها.... ولم تعلم أنه فعل نفس الشئ قبل أن يتوجه للمطار مباشرتا. انقطعت أخباره من يومها.

أنهت غذائها فكرت فى الخطوة التالية... كان لديها موعد مهم فى إحدى الجمعيات الخيرية التى تنتمى لها كعضوة بارزة ونشيطة ...لاتريد أن تذهب ...وسوف لا تعتذر "أليس من حقى أن يأتى علىّ ظرف طارئ كباقى البشر!" ...تغلق هاتفها .... تخرج الحساب... ترى كوب العصير... لقد نسيت أن تشربه... تقربه لشفتيها ثم تُبعده ... تتركه وتذهب.

تقرر أن تتسوق ... "سأشترى هدية عيد ميلادى"... "كيف سأحتفل بعيد ميلادى؟" ... "هل أقيم حفلة بيسطة لصديقاتى؟..... لا.... احن بشدة لهن .... وأتمنى جدا –واعلم أنهن يتمنين أيضا- أن نجتمع...، ولكن إذا دعوتهن ستأتى كل واحدة بزوجها أو خطيبها ...وربما أولادها... ساعتها ستصبح حفلة عيد ميلادى نادى اجتماعى. وجود الرجال فى وسط الصديقات يفسد كل شئ!.

تركن سيارتها ...تضطر إلى نزع نظارتها الشمسية ، الشمس تغرب ...ومنظر شاذ أن ترتديها ليلا. تنظر فى رفوف العرض لمحلات التحف ...يلفت نظرها شمعدان على شكل قلب يطفو على سطح سائل ملون فى كأس ...يعجبها... تشتريه.... تطلب من البائع أن يغلفه كهدية ،يسألها إن كانت تريد كتابة كلمة معينة عليها؟... تسرح ،ثم تبتسم وتقول "نعم"... "سيظل هناك من يحبِك بصدق". يتعجب أنها صاغتها لمؤنث ...الهدايا الرومانسية يشتريها الرجال للنساء... والعكس. ثم يبتسم برضا أنه "مازالت هناك صداقة رومانسية بين امرأتين".

تضع الهدية فى السيارة وتتجه لمحل ملابس... تقرر أن تشترى فستان سهرة... تختار واحد ... ترتديه فى غرفة تبديل الملابس... وتخرج لتنظر فى المرآة التى فى ساحة المحل.... كل الناس يخرجون من غرفة الملابس ليستعرضوا ما ارتدوا أمام من ينتظرهم خارجها...يسألونه عن رأيه. لاأحد معها ولكنها خرجت ...تلف أمام المرآة ...تتجه إليها البائعة ،تظهر اعجاب مصطنع بقوامها الفرنسى ،وتصيغ فى لهجة الصديقة أن لون الفستان مناسب جدا لبشرتها. تعرف أن هذا عملها وأنه فن البيع الذى طالما تدربت عليه مع الزبائن.... ولكنها أرخت فطنتها وصدقتها...تسألها "هل هو لمناسبة معينة؟" تجيب وقد كانت تنتظر سؤال عبقرى كهذا "نعم... عيد ميلادى"... هنأتها البائعة وعرضت عليها أنواع غالية من الحلى تجعله أكثر أناقة وجاذبية. تعرف أن هذا أيضا فن بيع ...ولكنه ليس بلا مقابل فلماذا لا تستمتع به؟... فى السابق كانت تقرر ما ستشتريه وهى وحدها فى غرفة التبديل، ولكنها اليوم تحتاج مشاركة ،وستدفع ثمنها برضا. تشترى الفستان والحلى. تركب السيارتها وتقود بسرعة. لاتطيق أن تنتظر ليوم ميلادها... ستحتفل اليوم!. تشترى "تورتة" كبيرة مزينة فى الطريق.

تجد صعوبة فى وضع مفتاح الشقة فى الباب وهى تحمل "التورتة" والفستان والحلى والهدية... تفتحه أخيرا.... تضع التورتة على المنضدة وتسرع إلى حجرتها لترتدى الفستان.... ترتديه والحلى أيضا... تجلس إلى التسريحة تضع المساحيق بعناية وتعدل من تسريحة شعرها... ترى فى المرآة الدمية "أختها" جالسة علىالسري تنظر إليها ...تسرح... ثم تحول عينها إلى صورة والديها أمامها... وتسرح ثانية. تنتبه على صوت الهاتف...تنهض وتجلس على السرير بجانب "أختها" وترد. "آلو؟".... "آلو ...أسف على الأتصال متأخرا فى المنزل... ولكن هاتفك المحمول مغلق....و......" أنه المدير!... لأول مرة يتصل بها فى منزلها ،تصدمها المفاجأة فلا ترد بأى شئ "أسف مرة أخرى.... كنت فقط أسأل.... إذا لم تمانعى... وإذا لم تكن لديك ارتباطات أخرى... أنه مجرد أقتراح... أنت تعلمين إنى أكنّ لك كل احترام... اعلم أنك سوف لاتسيئين فهمى..." ..."فى ماذا!!!" .... "أرجو أن تقبلى دعوتى لأحتفل معك بعيد ميلادك...... فى مكان عام". تصمت ويصمت.... يطول الصمت على الطرفين.... "هل قرأتى الرسالة التى أرسلتها لك فى بريدك اليوم؟" ...لاترد أيضا.... من غير المناسب أن تقول له أنها ألغتها دون أن تفتحها.... "آسف لو ضايقتك ....اعتبرينى لم أقدم عرضى ... ولكنى كنت أريد......"..... "هل لازلت على الخط؟". تحاول أن تخرج صوتها لترد.... تشعر أنها تحاول تشغيل جهاز مكهّن من قرون "نعم... ولاداعى للأعتذار....شكرا على أى حال.... ولكنى سأحتفل مع عائلتى". لم تعرف لماذا ردت هكذا ... ووصله الرد رفض صريح... اعتذر لأخر مرة وتمنى لها عيد ميلاد سعيد...... وأغلق الخط.

تترك السماعة مفتوحة.... تنهض إلى التسريحة ...تحضر الهدية التى أشترتها وصورة والديها... تضع الإطار بجانب الدمية وتضع الهدية بين يديها...تخرج وتحضر "التورتة" ، تضعها على السرير بين الدمية والصورة، ووبينها.... تدمع عيناها..."أنا لست كاذبة...ها أنا احتفل مع أسرتي" ...تغنى أغنية عيد الميلاد ... تقبل الصورة والدمية ، وتأخد منها الهدية... تمزق غلافها ...تبدى اعجابها بالهدية... وتشكر أختها.... تشعل القلب السابح على سطح المياه الملونة... تلتفت إلى الغلاف الملون الممزق ... تقرأ... "سيظل هناك من يحبك بصدق" .... تحتضن أختها بقوة وتنخرط فى بكاء مرير طويل.........

(اللوحة لبابلو بيكاسو 1938 )