الخميس، 26 يونيو 2014

مج النسكافيه


     كانت تحكي ببراءة طفولية مندهشة ومدهشة –لاتتناسب مع أم ثلاثينية لطفلين- عن صدمتها في بداية زواجها من وجود "مج" النسكافية الفارغ –الذي احتسته صباحًا قبل الذهاب للعمل- عند عودتها في مكانه الذي تركته فيه قبل مغادرتها المنزل!

     قالت أنها سألت زوجها بحيرة حقيقية عن سبب وجود "المج" مكانه، فاخبرها بدهشة هو أيضًا –ولكن من سؤالها- أنه هنا لأنه لم ينقله أحد!

     قالت أنها لم تفكر أبدًا منذ بدأت في احتساء النسكافيه في مراهقتها المبكرة أن "أحدًا" ينبغي أن ينقل مج النسكافيه حتي لايبقي مكانه. كانت تشربه قبل المدرسة –ثم الجامعة ثم العمل- وهي ترتدي ملابسها علي عجل، وتتركه في أي مكان في حجرتها لتعود من مشوارها الصباحي فلاتجده. كانت تظن أن اختفاءه وظهوره مغسولًا علي رف الأكواب هو أمرًا بديهيا يتعلق بطبيعة "ماجات النسكافيه الصباحية".

     ضحكت خالتي وسيدة أخري قريبتنا كانت تجلس في نفس الأمسية العائلية النسائية، بينما لم تضحك هي ولا أنا. شردت هي قليلا وهي تضع يدها علي صدغها وشردت أنا فيها، بينما استأنفت "الطنطاتان" الحوار عن أي شيء.

     هل حقًا "ماجات النسكافيه" لاتغادر من نفسها صباحًا بعد النزول وتحتاج إلي من يغسلها؟؟ لم أعرف هذا قبلًا!! .. أنا مثلها -قبل الزواج- أترك المج الخاص بي وأعود فلا أجده إلا نائما علي الرف ينتظر الصباح ليستقيظ ويمتليء بالنسكافيه الأسود الساخن ويوقظني، فأرتدي ملابسي وأبدأ يومي.

     وجود "المج" في حياتي بديهي، قد تنقطع المياه صباحًا أما النسكافيه فلا، وجوده قدري أكتر من الضوء الطبيعي الذي لم يغب يوما حتي الآن. غياب الكوب عند عودتي هو الطبيعي .. ربما مثلها لو عدت يوما ووجدته لأندهشت.

     كيف لم أفكر يوما في العوالم التي تحافظ  علي روتينية -لايلتزم بها علي هذا النحو إلا الفلك- تدعم طقسي اليومي! .. كيف لم أفكر في أن هناك رجل كنيته "أبي" يحافظ علي المخزون الاستراتيجي من النسكافيه في المنزل أيا كانت الظروف، وهناك سيدة قَدرّها "أمي" تلتقط الأكواب بعد دور المشاريب الصباحية لتعيد قطيع القطيع الزجاجي لحظيرته المعندية؟!

     أشياء كثيرة تحدث حولي أظنها قدريّة وهي لسيت كذلك .. خلفها أياد وقلوب وعقول وأرواح مرهقة وشغولة بأن توفرلي مداراتي المريحة المبهجة لأدور فيها .. وأنا بدروينيّة حمقاء أظنها "طبيعية" أو "بديهية"!

     تسري في أوصالي رجفة خوف .. أفكر في اليوم الذي ربما استيقظ فيه فأجد "برطمان" النسكافيه فارغًا، أو أعود فيه من أيًا ماكنت صباحًا فأجد مج النسكافيه قابع ببقاياه المتجلطة ينبأني بغياب كفيله .. 


الاثنين، 9 يونيو 2014

فكنت من الفائزين ..


اليوم أعلن بمنتهي التبجح أنه لايريدني في حياته مرة أخري
وأني عبئاً ومسخًا شوّه حياته وأورثه السأم
تصنعت الصلابة وودعته 
حاولت أن أجعل الوداع راقيا كالأفلام والرويات، لكنه لم يُردْ

أعود للمنزل 
أغلق باب
ادخل حجرتي
اغلق بابها
أتأكد أنه سوف لايسمعني أحد
أرتمي علي فراشي 
ادفن وجهي في الوسادة
أجهش ببكاء اقرب لصراخ ذكوري استغاثي

انهض في الصباح منهكة
افتح الكمبيوتر وأشعر بفراغ العالم
سوف لا أجد منه رسالة قبل نزوله للعمل
أكتب له عشر رسائل وامسحهم
اقلب في صوره
في رسائلة

ماهو الألم والبؤس غير ماأنا فيه الآن؟

أجد ملف أغاني فيروز
التراب -الافتراضي- يغلفه
لعام بالتمام لم اسمعها!
عام عمر حبي له
كنت أشعر في أغانيها بانقباض الفراق الهادئ
أكره الفراق

اسمعها
كيف أنتِ هادئة هكذا وبلا دموع ياسيدة الأحزان
كيف بكل هذه العزوبة والكرامة و"رغم العيال والناس" يجي علي بالك فلا تنهاري!

لأيام اسمعها وحدها
وحدها تفهمني

وحدها تصف حالتي بالضبط!
وحدتها تشعر بالظلم معي في عتاب أبيّ "قال قايل عن حبي وحبك مش حلو؟"

وحدها تفهم "قلك قلقانة وأنت تروح تنام .. ياسلام علي حبك ياسلام"
وحدها .. وحدها في كل كقطع وجملة
في كل ألم وهزة صوت لن يدركها إلاي
أكويني بصوتك الناري الهادئ ياسيدي

أيام من الألم العميق
بعدها أدركت أني خسرت من كان يمزح "مزحة كبيرة"
وفزت باستعادة علاقتي بفيروز
وإني من الفائزين