أُدير المفتاح بالباب ..
ينفتح ..
قبل أن أدلف إلي الشقة أخرج هاتفي وأضغط ثلاث ضغطات ..
send
.. send .. send
أدخل وأغلق الباب واستند عليه بظهري ..
أغمض عيني وأتنفس كما لم أتنفس من قبل.
***
الرسائل الثلاث كتبتهم في طريق العودة من العمل.
الرسالة الأولي كانت بريد ألكتروني رسمي بالاستقالة،
مرفق مع مكان كل الملفات التي بحوزتي وأخر ماجري فيها.
سوف لأّذهب إلي هذا المكان مرة أخري!
المدهش ليس إني أخذت القرار ونفذته في نص ساعة،
بل كيف اسمريت في هذا المكان لأكثر من عام!
كيف تركت نفسي لكل هذة المهانة والاستهلاك!
ومقابل ماذا؟ حفنة من الجنيهات، وسراب ال"كارير
باث" وباقي الألفاظ التافهة المستحدثة؟
حبيبي كان عنده حكمة حين كنت أشكو له حالتي وأنا منطفئة
تماما،
قلت له أنا أخسر نفسي "وماذا ينتفع الإنسان لو ربح
العالم كله وخسر نفسه؟"(1)
فرد بسخرية .. "لكنك لاتربحين العالم كله ..
أنتِ تحاولين عبثًا مقايضة وظيفة متواضعة بعقد مؤقت
مقابل نفسك!"
كان علي حق .. لو إني ربحت العالم كله لبدا هذا منطقيًا!
لكني لم أربح شيء!
الرسالة الأولي كانت الاستقالة وسوف لاأرد علي أي
"ميلات" أو اتصالات ..
سوف لايصلون إلي مرة أخري أبدًا، وليس في حيلتهم
مايفعلون.
العقد المؤقت بلاشرط جزائي.
كنت مسحوبة الرقبة بحبل وهمي.
وهاقد نزعته.
***
الرسالة الثانية كانت له ..
حبيبي ..
"سوف لااستمر في علاقتنا.
أرجو ألايبدْ هذا صادمًا لك، لكنه حقيقي جدًا علي أي حال
لاتحاول الاتصال بي.
هذا قرار نهائي وليس محاولة استعطاف.
شكرًا علي الوقت والمشاعر وكل شيء انفقناه سويًا.
أكرر .. لاتحاول التواصل معي بأي شكل مباشر أو غير مباشر
مرة أخري.
هذه الرسالة أخر شيء يربط اسمينا معًا.
دمت بخير."
هكذا .. بلامقدمات .. بلاخناقات .. و"بلا ولا شي
.."
علاقتنا قياسية، وهو "عريس لُقطة" .. تمامًا
كوظيفتي ..
لكنه علي نفس الدرجة من الاحباط أيضًا.
هو يدرك أنه "عريس لُقطة" لذلك لم يحاول أن
يكون أبدًا "حبيب جيد" ..
بحق كل المكالمات التي لم يرد عليها ..
الأفلام التي يختارها وحده كي ندخلها دون أي يعرف رأي ..
الهدايا التي لايشتريها ..
والهدايا التي يقبلها دون أن يتذكر أن يقول لي رأيه فيها
بعد يفتحها وهو وحده.
السخرية من كل مايخصني .. ملابسي .. شعري المجعد ..
وألوان طلاء أظافري.
ولايعرف أن هذه الأشياء تبهجني أكثر منه، بل تعوض
التحطيم الذي يفعله فيّ!
بحقهم كلهم أبتداء
من اليوم أنت غير موجود في حياتي ..
وشكرًا لأنك بغيابك تشعرني كم ستكون حياتي جميلة من
بعدك.
***
الرسالة الثالثة لصديقتي الوحيدة
أخبرها كم هي رائعة وجميلة ومهمة بالنسبة لي.
أخبرها أني تركت الشغل وانفصلت عن حبيبي وأني بخير جدًا
.. جدًا!
أكثر من أي وقت عرفتني فيه طوال العامين الماضيين.
أخبرها أنه لولا وجودها لصدقت إني سيئة،
وغير قابلة أو مستحقة لأي نوع من المحبة ..
وإنها لولا الأوقات الطويلة التي استمعت فيها إلي -حتي
ولو بنصف أو ربع تركيز-،
لربما كنت الآن جثة غارقة في النيل، أو متحللة بأثر سُمّ
في دمها الناشف.
أخبرها أنها مهمة عندي جدًا .. وإني أحبها.
لليس فقط لأني احتاجها ..
بل لأني رأيت روحها وقلبها وأحببتهم من روحي وقلبي.
أطلب منها ألاتحاول أن تصل إلي خلال هذا الأسبوع.
ولاتحاول أن تكلم حبيبي -سابقًا- لتعرف منه أي شيء -لأنه
لايعرف-
ولالتحاول إعادة التوفيق بيننا.
فقط أسألها أن تدعو لأجلي لأن الله يسمع ويجيب للمحبة.
***
أفرغت أكياسي في الحمام ..
صابون برائحة الفانليا لصنع فقاعات في
"البانيو" الممتلئ بالماء الدافيء،
وزيوت عطرية،
وبخور،
وزجاجاتان من العطور الفاخرة.
أجلب الغلاية من المطبخ مع "ماج" كبير
أضعها علي طرف "البانيو" مع أكياس المشروبات
الساخنة سريعة الذوبان
والأعشاب التي تساعد علي الاسترخاء وتطرد السموم من الجسم
بعض المواد الطبيعية الأخري ساستخدمها
كــ"مسكات" لوجهي وجسدي،
وسأكلها وأشربها أيضًا!
كبرطمان العسل الأبيض هذا، والبُن الفاتح ..
كم كلفني كل هذا ؟؟
بعض مئات.
من إين جئت بهم؟؟
ثمن قسط السيارة الشهري.
وكيف سأدفع القسط؟!
سوف لاأدفعه .. سأبيع السيارة.
ناضلت عام كامل في تقشف رهيب لكي أوفر ثمن مقدمها،
والآن كنت أستعبد نفسي عام أخر لأدفع أقساطها ..
فلتذهب هي وأقساطها للجحيم .. وتعطني مقابل ذهابها
النقود اللازمة لأحيا.
إيجار الشقة؟
لاأعرف .. لأُجل التفكير أسبوع ..
ربما أذاب بخار الحمام مع الزيوت والعطور الدهون التي
علي قلبي مع جسدي،
فألين وأصالح أمي الأرملة حادة الطباع،
وأعود لأسكن معها في "بيتنا" الذي أوحشني
جدًا!
سأقضي هذا الأسبوع عارية ..
عارية من كل شيء ..
فقط أحاول أن استعيد الشعور بنفسي ..
بجسدي ..
باحساسي ..
بحواسي ..
لأني ولأول مرة منذ أعوام،
أشعر بالكنز الغامض الذي كنت أجري وراءه لاهثة حتي
انقطعت أنفاسي بلاجدوي يفج في كياني ..
أشعر بالانجاز.