الخميس، 18 يونيو 2009

عـن القـلـب الـزجـاج



منذ أن وعيت إلى حياتى...
وعرفت أنى ادعى "انسانة"...
وعرفت أنى أملك قلب...
قالوا لى أن أكون حريصة جدا...
لأن قلبى ليس كمثل باقى قلوب البشر...
فأنا وأختى ولدنا بقلب مختلف...
قلب زجاجىّ...
حذرتنى أمى وهى على فراشها تحتضر...
وكنت وقتها طفلة صغيرة لاأدرك...
قالت لى...
"يا أبنتى احترسى أشد الحرص لقلبك...
فهو من زجاج رقيق جدا...
إياك وحرارة الشوق الملتهبة...
وإياك وبرودة الحزن والوحدة...
كلتاهما ستحدث شروخا فى قلبك...
لا تسلمى قلبك لأحد...
فربما أسقطه...
أو بجهل صدمه...
ساعتها سيتفتت ولا شفاء...
ولا تملئيه بالأشياء والناس...
فقد لايحتمل..
وإياك أن تثقى فى قوته...
فتسافرى...
وتغامرى...
وتظنى أنه قوىّ وسوف لايخذلك...
فلو انشرخ ولو شرخ بسيط...
لن تستطيعى أبدا أن تداويه"....
وألتفتت إلى أختى...
وفاضت دموعها...
وقالت " أما أنت فشرخ قلبك كان اختيارك
فكونى بنفس شجاعة قرارك...
واحتمليه...
ليتنى كنت املك أن أنقل شرخك إلىّ...
أن أمتص ألمك واحتضر به...
أموت وتدفنيه...
ولكنك خاطرتى ياأبنتى...
وأخترتى رغم تحذيرى لك...
فكونى كما اردتى...
وحذرى أختك الصغرى...
فربما تستطيعى أن تمنعى عنها وتجنبيها...
مرارة التهشيم"...
وأراحت رأسها...
واستراحت روحها...
أدركت أن أمى فارقتنا...
وكدت أبكى...
ولكن أختى بدأت ممارسة دورها الجديد...
وحذرتنى...
"تدكرى كلام أمك......ولاتبكى"...
ولمّا رأتنى أسرب الدموع من عينى لقلبى...
حذرتنى أيضا...
"لاتبكى بكاء القلب...فهو الأخطر"...
ثم بضيق وعطف...
بنظرة جحدتنى...
فصمت...
عرفت من الحديث الأخير لأمى...
أن أختى الكبرى ذات قلب مشروخ...
ولما صرت أكبر قليلا...
كان هذا تفسيرا لأن أرى أختى كل يوم...
تستيقظ طول الليل ساهمة...
وتجلس ترقب الفجر على حافة النافذة...
أول ما أرى شعاع الشمس...
يكون ذلك اللامع على دمعتها...
تنام وتتغطى بغطاء أسود قبل سخونة الضوء...
لاتحتملها أبدا...
تحضر لحظات الغروب بحبور...
والدموع لاتتوقف أن تقطر من شرخها...
كم صارعنى فضولى أن اسألها...
لماذا الشرخ؟...
ولكنى خفت أن ألمها إذا دعوتها لتحسسه...
حتى جاء يوم...
كانت ليلة مقمرة...
وكانت دموعها الثخينة فائضة...
وكنت مؤرقة...
فكرت ،ما المانع لو سألتها؟...
وسألتها...
ماقصة هذا الشرخ...
ألتفتت إلىّ كأنى صعقتها...
وجحظت عيناها كأنى حية لدغتها...
ندمت بشدة على سؤالى...
خفضت عيناى...
انسكب الندم منهما...
رفعتها فوجدت عينيها تسكب حنين...
صمت...
فتكلمت...
"ياحبيبتى الصغيرة...
كنت اعلم أنه سيأتى يوم وتكبرين...
وتسألين...
عن شرخ قلبى...
ولولا أنك أختى...
ولولا أن لك قلب زجاجى مثل قلبى...
ما أجبتك...
بل ربما عاقبتك...
بل ربما...
قتلتك!..."
بان فى عينىّ خوف...
انعكاس لشراسة ألم فى عينيها...
رأته فأطفأت من احساسها...
أغمضت عينيها للحظات...
فتحتهما فوجدت فيهما ضعف!...
كيف!...
أنها قوية جبارة...
كيف أراها منهارة...
قالت "ياصغيرة...
أنها قصة طويلة...
بدأت يوم أن نظرت لقلبى...
فوجدته زجاج شفاف...
بلور نقى رقيق...
كنت احسد عليه...
ولكنى لم أكن احسد نفسى....
كنت أريد قلبا كباقى الناس...
يحب ويغامر ويسامر...
ولكنى أملك قلبا حساس...
قلبا لايحتمل ذبذبات صوت الكمان...
تمردت...
قررت...
أن اعتبر قلبى من فولاذ...
حملته فى صدرى وخرجت...
خرجت للحياة...
ابحث عن الحب...
ذاك الذى طالما قرأت عنه...
وطالما اشتقت عليه...
حتى ظننت إنى وجدته...
قال لى حبيبى "لما لاتشقى قلبك نصفين...
اصنعى لنا من قلبك البلور كاسين...
نملأهما من الحب ونرشف...
نشرب حتى نسكر..."
وافقت...
بيدى كسرت قلبى...
تألمت...
ولكنى فعلت برضا...
كنت ساذجة...
اعتبرت نفسى ضحيت...
من أجل الحب...
وضعت فى اختبار...
وبحماس أبليت...
وتخيلت...
إنى انتصرت...
للحب.
انتبهت من سكرة الحب الأولى...
فوجدته رحل...
وترك الكأسين مهشمين...
لم يشرب...
تركنى أشرب وحدى...
حتى غبت...
ثم هشم نصفىّ قلبى باستهتار...
استخدم الحب حبر...
كتب لى به رسالة شكر!...
يشكرنى إنى وثقت به...
ويشكرنى إنى-بسذاجتى-سحت له...
أن يكون أول وأخر الشاربين...
لم يكن يحلم أن يشرب فى الكأس القلب...
وبسخرية هنأني على جودة نوع الحب...
مع أنه لم يذقه...
تمنى لى حياة سعيدة...
ولم يوقّع.
لملمت الأشلاء...
بجزع ثبتها...
بكل قوتى حاولت إعادة دمجها...
ولكن القلب الزجاج لايلتئم...
وبقى ظاهر أنه مشروخ...
مع أنه بألف جرح مذبوح..."
لم تستطع أن تكمل أكثر...
كان الألم مزقها تماما...
أشفقت عليها بكل شفقة الكون...
استسلمنا للسكون...
لكنّ فضولى-بالرغم منى- سأل...
"هل كلتانا فقط من تملكان قلب زجاج؟"...
سرحت عيناها الحزينتان من النافذة...
أطالت النظر...
وكأنها أرسلت عيناها لتدور الكرة الأرضية...
عادت وصوبت عيناها فى عينى...
شهقت...
رأيت فيهما أبشع ما رأيت...
قلوب زجاج مشرّخة بآلام كالبروق...
وآلاف مهشمة كصخور بلا قيمة...
آخري مفتتة كرمال الصحارى...
جزعت...
قالت "عندى كلمة أخيرة...
خافى على قلبك ألف مرة...
وخافى ألف مرة أكثر من خوفك على قلبك...
أن تكونى بعمد أو بجهل...
سبب كسر أو شرخ...
قلب زجاج"...
2009-6

هناك 8 تعليقات:

  1. انتبهت من سكرة الحب الأولى...
    فوجدته رحل...

    قوية كلماتك

    أمنياتي

    ردحذف
  2. ميرسى يا بشمهندس
    يشرفنى أن حضرتك تصفها بالقوة

    ردحذف
  3. ميه ميه بجد تسلم الأيادي يا كاندي بس رجاء تكبير الفونت لأنها تعبتني أوي في القراءة
    :)
    تحياتي

    ردحذف
  4. ميرسى يامايكل...
    بس كان ممكن تكبر نسبة التكبير بتاعت الصفحة علشان ماتتعبكش فى القراية :)
    عملت الفونت صغير مخصوص علشان احايل الناس اللى ملهاش تقل على القراية بذات والقصيدة طويلة شوبة... ;)

    ردحذف
  5. جيت وقريت كمان مره
    آه من القلب الزجاج

    تحياتي

    ردحذف
  6. السلام عليكم
    كلام يجنن روووووووووووووووووووووعة اوي والله
    اول مرة ادخل هنا وعجبتني اوي
    انشاء الله مش حتكون الاخيرة
    كلامك اثر في اوي اوي
    ربنا يحمينا
    اخاف يتكسر قزاز قلبنا

    ردحذف
  7. ميرسى يا سمسم
    أنا قلت برضه مافيش حد هايحسها زى ما أنا اقصدها بالظبط مش بس كعمل أدبى غير بنوتة بقلب قزاز

    بدعى معاكى ربنا يحفظ قبنا القزاز من الكسر

    ردحذف