أذنان مثبتتان إلي جانبي رأسي، وآخرى في يدي. واحدة ولدت
بها، وواحدة فقدتها منذ لحظات، وواحدة خُلِقت لي حالًا!
أمسكت مشعلي بعدما قبضوا عليه وساقوه إلي حيث لاأعرف،
وهرب كل تلاميذه -بما فيهم الشجاع الذي هاجمني- وبحثت في الحشائش وتحت الأشجار،
لأعرف هل كان هذا حلمًا أم حقيقة.. حتي وجدتها.. أذني المثقوبة.. لأني عبد.
أسمع عنه منذ مدة، كلامًا كله حقد وتآمر في اجتماعات
منزل سيدي، تخيلته قويًا ذو بطش ليهابونه كل هذا الوقت، ويخافونه بكل هذا القدر..
لكن حين رأيته كان بسيطًا جدًا، بساطة دفعتني لأتشجع وأتقدم وأمسكه.. وصديقه معنا
يقبله ليسلمه.. أحتقر الخائنين، لكنه يقدم خدمة لسيدي -الذي أكرهه- وجماعتنا.
الظلام حالك، والخائن يتقدمنا، الكل خائف ومرتعش، وتلاميذه
نيام. كنا نتوقع اشتباك.. لكنّ أحدًا لم يشتبك إلا واحد استيقظ مترنحًا. صرخ فيه
أن يرد سيفه، ومعه كنت أصرخ من الآلم.. نارًا أفجرت في جمجمتي، وحمم تفور بالدماء
من يمينها.. أُمسِك رأسي، فلا أجد أذني.
لاأفهم!.. حقًا لاأفهم أي شيء!.. أنا رجل ذو ثلاث أذان
وعقل معطل وقلب ملتهب. من هو هذا ومالذي يحدث!.. كيف لمعتقل ألا يحاول الهرب، بل
ويطلب من أصدقاءه أن لايدافعوا عنه، وأن يُعطوا الفرصة ليمضوا! يعاتب بحب خائنه.
وتلميذه هذا الذي خالف أوامره.. كيف لم يشكره؟ أو -علي النقيض- يتنصل منه؟ بل بكل
هدوء يلقنه درسًا عن كأس يجب أن يشربها، وجيوش بأمكانه أن يجلبها.. لكنه ماضٍ وفق
خطه. أي خطة؟ قال هذا وهو ينحني ليحضن رأسي.. يوقف شلال الآلم، ويصنع لي أذنًا
جديدة!
صخب واضطراب كبير، لكنّ لقاء أعين ولمسة دافئة في ليلة
باردة خصني بها. معها الزمن توقف، ولمّا عاد كنت شخصًا أخر. كأن التاريخ انقسم –
وهو ماسمعت أنه يحدث مع الناس فعلًا- قبل وبعد لقاء هذا الرجل. سمعت أنه سبق أن
خلق عينًا لمولود أعمي.. وشفي كثيرين، وأنه يهتم بالمنبوذين.. كل هذا كان من عريضة
اتهاماته!.. أما أن يهتم بعبد يهينه أسياده ويعرضونه للخطر، والعبد هذا من أعداءه
المتقدمين لإذائه.. يهبه معجزة بلا رجاء ولاإيمان، في موقف عصيب علي الكل، والأصعب عليه وحده، ويدي التي أمتدت لتقبض بقسوة، فحظى صاحبها بأرق لمسة من يده.. كل هذا لايجعل
منه إنسانًا عاديًا، بل -كما يخشون أن يعترفوا، فيتهمونه بالزعم- هو الحب الذي
"هو".