أصعب الأيام في طفولتنا هي التي كنا نكتشف فيها صباحًا أن بطننا تؤلمنا
فعلًا!.. وأن الدور الذي كنا نحاول تمثيله أحيانًا لنهرب من امتحان، أو مواجهة
صديق قوي مُتوَعِد نخافه، هو في الواقع صعب وبه الكثير من التقلصات التي لم نتقن افتعالها.
فعلًا!.. وأن الدور الذي كنا نحاول تمثيله أحيانًا لنهرب من امتحان، أو مواجهة
صديق قوي مُتوَعِد نخافه، هو في الواقع صعب وبه الكثير من التقلصات التي لم نتقن افتعالها.
كنا نسمع برامج الأطفال والكارتون لأول مرة.. وبرنامج أبلة فضيلة كاملًا.. لمن يذيعون هذه البرامج في هذا التوقيت؟ وكل الأطفال مصلوبة في المدارس -مَن لايذهبون إلي المدارس، في الغالب ليس لديهم تلفاز أيضًا- بينما من يشاهدونها في منازلهم لديهم خطب جلل سيكتب غدًا في جواب وليّ الأمر لتبرير الغياب.
تلك الحالة المركبة من ألام تُعذّب أمعاء صغيرة، ومرارة الدواء في الحلق، مع قصة شيقة بصوت جدة حنوّن، وكارتون جاذب لعيون زائعة من الدموع والحرارة المرتفعة، الحالة التي يظن معها الطفل أنه بلغ ذروة الألم والمعاناة، مع أبهار المفاجأة والاستمتاع بفن موجه لوجدانه.. هي حالة نهاية العالم التي أعيشها الآن.
منذ أن ذاعت أخبار الجائحة والفيرس، والجماعات حولي تقفز بين التجاهل والذعر والفزع والسخرية السوداء واللامبالاة، فسلام التسليم. أنا أيضًا كنت ومازلت أتحرك بين هذه المربعات الشعورية، كمَنْ في لعبة الحجلة.. الآن أنا هنا.. بعد دقائق أنا في قفزة واحدة هناك.
اليوم الجو ربيعي جميل!.. صوت فيروز احتل المساحة الأكبر من برنامج الراديو
“"ضاق خلقي ياصبي .. من ها الجو العصبي
تغنيها في أذن واحدة.. وأذني الأخرة تلتقط أصوات الشارع المتوترة.. الأغلب يسير بكمامات.. عيون حذرة متلفتة.. محلات تضع التحذيرات، وتغلق الباب علي عدد من الزبائن لمنع التكدس. أطفال مقنعون، واصحاب ملوحون من بعيد حيث لااقتراب ولا تلامس
“"ضاق خلقي ياصبي .. من ها الجو العصبي
تغنيها في أذن واحدة.. وأذني الأخرة تلتقط أصوات الشارع المتوترة.. الأغلب يسير بكمامات.. عيون حذرة متلفتة.. محلات تضع التحذيرات، وتغلق الباب علي عدد من الزبائن لمنع التكدس. أطفال مقنعون، واصحاب ملوحون من بعيد حيث لااقتراب ولا تلامس
هل هذا عالمي؟ هل هذه مدينتي، وهذا زمني؟ هل ينتهي العالم الآن؟...
ألتفحص العيون المارقة من حولي.. تقول فيروز
“يخرب بيت عيونك ياعالية شو حلوين..”
لماذا عندما كنا نصاب بنوبات المغص قديًما لم يحدثنا أحد عن الموت؟ لماذا لم تحكي لنا أبلة فضيلة عنه؟ ولماذا لايشرح الكارتون لماذا يجب أن نموت لنعرف مبكرًا كيف نعيش.
كانوا ينكروا الموت ويرسلونه (بعد الشر) مع أن الشر حاضر دايمًا والموت كذلك.. متلازما
ن بلا ترتيب. اليوم الموت حاضر بقوة.. يأتي ذكره يوميًا كثيرًا..
ومازال أنكاره قائما. تغني فيروز
“أنا لحبيبي وحبيبي إلي”
أجل يافيروز نحن للموت والموت لنا، قبل الشر وبعده وأثناءه.. نتألم.. نخسر.. نفتقد.. نخاف.. نشعر بالسكينة.. ننظر للسماء علنا نري الله أو أحد ملائكته فنقول له
يالله نحن غلابة وأنت الرحيم
الملائكة تسمع لصوت فيروز أيضًا مع البشر.. لاتنظر للموت كمان ننظر إليه، ولا تنكره كمان ننكره. تحملنا ونصعد بهدوء للسماء.. هدوء يليق بنغمات فيروز، لاسرعة ما انتجه البشر من إيقاعات موترة.. غنوها وعاشوها وجعلوا رتم حياتهم.
أسير وسط متحضرون، وأنا منهم. من لن يمت بالفيرس مات بغيره. لاأنكر الخوف والقلق، ولا أنكر السكينة والاستمتاع بالجو وصوت فيروز. أسير وأنظر إلي السماء.. حسنًا نهاية العالم ليست بالصخب الهوليدي..
لم يستخدم أحد أبدًا صوت فيروز كخلفية.. لكن لابأس بها يالله
“ياشمس المساكين.. أنا زهرة من زهورك.. باركني.. ساعدني .. بالدمع بتزرعني بالفرح بتحصدني”.