الثلاثاء، 28 أبريل 2015

خطوات إنعاش القلب


ملحوظة (1): ملهمتي لكتابة هذه التدوينة الجميلة السكندرية "مريم دهب" من وقت مابعتتلي لينك الأغنية دي

ملحوظة (2): الاقتباسات كلها من صفحة "إنعاش قلبي رئوي" علي ويكيبديا 

***
"يعتبر المريض الذي تجرى له عملية الإنعاش القلبي في حالة الموت السريري، وإذا لم يتم على الفور البدء بعملية الإنعاش فإن خلايا الدماغ تبدأ بالتلف غير الرجعي."

      لامجال للتباطوء .. لامجال للتهريج .. الذي يحتاج لعملية إنعاش قلبي هو "ميت" بشكل مؤقت، وإن لم يبدْ عليه ذلك ..
     أما كيف تعرف أن قلبه متوقف؟ فكلنا يتوقف قلبنا ويدق .. يتوقف ويدق. لمّا أرسلت لي مريم الأغنية المذكورة بالأعلي كان قلبي متوقفًا .. ودق مع دق الطبلة وسقف الكفوف القوية .. توقف ودق .. ودق وتوقف علي إقاع الأغنية بالظبط .. حتي استعاد انتظام دقاته.
    لمّا يتوقف قلبك .. لاتعتبر أنه من البديهي أن يدق بعد مساحة دقة الصمت مجددًا. فلربما توقف للأبد .. ربما الدقة القادمة بالذات تحتاج دفعة يد قوية لتأتي العضلة بحركتها. لاتمنع محاولات "إنعاش" القلب ..
     كلمة "إنعاش" في ذاتها خفيفة جدًا وهي تعبر عن رزاز مياه باردة في مساء صيفي حار، وثقيلة وخطرة وهي تعبر عن محاولات إعادة إحياء! .. لاتستخف بمحاولات "الإنعاش" كلها، ففي تجاهل بعضها .. موت!



"خطوات الإنعاش الابتدائي
1-تأكد أنك والمريض بمكان آمن خال من الأخطار."

      أهرب بالمريض .. ابتعدوا قدر المستطاع عن اللغو والضغط والكذب وإصدار الاحكام والأرواح السلبية والاحباطات والتراهات ... انعزلوا –ولو بالخيال- في مكان خال من الاخطار.



"2-اختبر ردود فعل المريض، تأكد من حالة المريض هل يجيب على النداء، على الهز، أم هل هو مغمى عليه؟"

      هل لم يصمد وعيّهُ أمام هول مالاقي؟ أم مازال يجيب النداء؟ أشفق أنا شخصيًا علي الموتي الواعون! .. هم إما مذعورون، أو لامبالون مستسلمون. العين المغلقة أفضل من صاحبة النظرات المذعورة أو اللائمة اليائسة التي تنتظر الأفول. ومع ذلك ميزة الواعي أنه يساعد نفسه –بشكل غير مباشر- بدعم  روح مسعغه. احساس "الأنس" بحياة أخري –حتي لو كانت تحتضر- يشدد الأيدي. الله لم يخلقنا وحيدين أبدًا .. فمن الأزل كان هو هنا. لم نوجد وحدنا أبدًا كأروح.



"3-إذا كان المريض لا يستجيب:
1-اطلب المساعدة"

      لاتغتر بأمكانياتك. عضلاتك تضعف كأي بشري، روحك تتعب كأي بشري .. وقلبك قد تخذله الدَقّة الآتية.



"2-اقلب المريض على ظهره، افتح المجاري التنفسية عن طريق مد العنق"

     مِدّ العنق .. الكرامة من أساسيات الحياة. قد لايُلتفت إليها كحاجة ثانوية، لكنها معبر الهواء لدم الحياة.. أُجبُر الكرامة.



"3-تأكد إذا كان المريض يتنفس بشكل طبيعي (لا تنخدع إذا رأيت نفساً متقطعاً، فإن المصابين بالسكتة القلبية عادة ما يتنفسون في البداية بشكل غير منتظم، هذا التنفس المتقطع لا يعتبر تنفساً طبيعياً ولا يغير من كون المريض مصاباً بالسكتة القلبية وبحاجة لإنعاش فوري!)"

     لاتنخدع! .. لاتنخدع! .. لاتنخدع!. كلهم عادة يبدون في حالة طبيعية .. يتنفسون وعلي مايرام .. مع أن قلبهم معطوب تمامًا! .. لاتنخدع أرجوك! .. أنت الرجاء الأخير لإنقاذهم. لاتنخدع كمدرائهم في العمل، كأسرهم التي يلقون عليها التحية يوميًا حين العودة لمنزل، كأصدقاءهم الذين يضحكون ويلهون معهم، كالبائعين وسائقي المواصلات، والشحاذين، والمارة في الشوارع ... هم ليسوا علي مايرام أبدًا .. قلبهم مريض وسيودي بحياتهم "وسط ذهول المارة"والاصحاب وكل ذوي القربة البعداء -علي حسب التعبير الصحفي اللزج- لاتكن من "المارة" بل كل من اصحاب النظرة النافذة إلي حال القلب .. ولو خدع المظهر.



"4- إذا كان المريض يتنفس بانتظام، إقلبه إلى جانبه ليصل وضعية التثبيت الجانبية حتى إذا ما تقيأ المريض لا تتغلق المجاري التنفسية بالقيء"

     استعادة الذكريات قد يسد المجاري التنفسية .. ويخنق. تأكد من أن الذكريات المؤلمة التي يتقيأها لاتسد مسار الكرامة بالحنين السام، وتؤدي للاختناق.

     

" كيف تتعرف على التنفس الطبيعي؟
-قرب أذنك من أنف وفم المريض وحاول سماع نفس المريض.
-أثناء محاولة سماع نفس المريض حاول الإحساس بالنفس وهو يلامس وجنتك."

     حاول سماع .. حاول الاحساس .. حاول سماع .. حاول الاحساس .. حاول سماع .. حاول الاحساس .. حاول سماع .. حاول الاحساس .. حاول سماع .. حاول الاحساس .. حاول سماع .. حاول الاحساس .. حاول سماع .. حاول الاحساس .. حاول سماع .. حاول الاحساس ..



" الهدف من عملية الإنعاش القلبي الرئوي هو محاولة إعادة دورة دموية صغيرة يمكن أن تنقذ خلايا الدماغ من التلف التام أي الموت الدماغي. من المعروف أن الدماغ إذا قُطع عنه الدم لفترة 4 دقائق فإن خلاياه تبدأ بالموت والتلف، وخلايا الدماغ لا يمكن استردادها"

     خلايا الدماغ لايمكن استردادها .. خلايا الدماغ لايمكن استردادها .. لاتفقد المنطق في سبيل إحياء القلب. القلب يخدم العقل ويعمل بأمره. تذكر أن القلب ليس هدفًا في ذاته. والحب رغم قدسيته ولامنطقيته .. إلا أنه سوف يموت لو لم يُغذي المنطق حتي يرضي عنه، ويأمر بعودة الحياة للجسد كله.



" لاحظ أن الوضعية السليمة هي في كون ذراع المسعف مستقيمة وممدودة وفي وضع عمودي تماما على صدر المصاب، والضغط يتم عن طريق تحريك الجذع وبالتالي الاستفادة من وزن المسعف في الضغط على المريض، وتوفير الطاقة حتى لا يصاب المسعف بالإجهاد الفوري بعد دقائق قليلة!"

     كن "مستقيمًا" في إسعافك. وضع عينك أمام عين مريضك .. ليس المهم أن تكون نبيلًا، ومسعفًا مخلصًا من خلف الستار .. فالتواجد في ذاته شفاء، لاإسعاف من خلف الشاشات أو في المسافات ... تواصل بعينك، و ألقي كل وزنك وخبرتك فوقه! وتذكر .. هذا يقلل من شعورك بالاجهاد اللامُجدي... فالملل.



" نفخ النَفَس الصناعي من خلال الفم أو الأنف:
إن الضغط على عضلة القلب يحرك الدم، والدم يحوي الأكسجين الضروري لإبقاء خلايا الدماغ على قيد الحياة، إلا أن ما يحويه الدم لا يكاد يكفي لبضع دقائق، لذا لابد من تحريك الهواء في الرئتين، حتى تتم عملية تبادل الأكسجين بثاني أكسيد الكربون، النفس الصناعي يتم بعد 30 تدليكة قلبية، على أن تتم العودة مباشرة إلى التدليك القلبي بعد نفختيين."

     القبلة مهمة .. والأحضان التي تعتصر الضلوع مهمة. الهواء يندفع بالقبل، والدم يندفع بالأحضان. لاتتردد في ضغط أنهار الحياة للأجساد المحتضرة .. أتبع سبيل الأطفال في براءة أحضانهم وقبلاتهم اللاشهوانية .. وقوة دفع الحياة والأمل والحب والفرح في الأجساد التي يضمونها ويقبلونها وإن كانت تفوقهم في الحجم والقوة والوزن أضعاف مضاعفة .. كيف ينهضونها من انهيارها بقبلات من شفاه دقيقة ملطخة بالحلوي، واحضان صغيرة دافئة.

     وتذكر أن التردد ليس في صالح الموتي بصفاتهم المتنوعة .. مرضي، ومرضي محتملين (تو انتهاء كل دقة) / مسعفيين حاليين ...

الثلاثاء، 21 أبريل 2015

"أربعتاشر لزقة بجني"



تتعطل الحافلة بسبب الزحام في مدخل القناة الضيقة المخصصة لها بين منطقة "الإسعاف" وموقف "عبد المنعم رياض" .. أتململ .. متأخرة عن موعدي بأكثر من نصف ساعة، موعدي في جوتة والألمان يحترمون المواعيد ..

أنظر من النافذة فلا أري جمالًا .. تكدس وعوادم وبشر متضايقون، الضيق سيد الموقف. المقعد الأخير أمام الباب الخلفي والمنضدة الصغيرة الخاصة بالـ"كومسري" مكان ملائم للمتضايقين .. ينفث عليهم غضب المحرك وأزيزه، فيزيدهم اشتعالًا.
شيئًا يُقذف عليّ يلحقه نداء "أربعتاشر لزقة بجني" .. تعودت نظام البضائع الطائرة من المترو. لبان .. ألعاب .. مناديل .. ولاصق طبي.

أشعر بأنفراجة! .. أخر مرة اشريت "بلاستر" كان في المترو .. وأول مرة أيضًا، لا أتذكر أني اشتريت لواصق طبية في أي وقت من صيدلية، دائمًا ماتطير إليّ لتنبهني إني احتاجها.

احتاجها كثيرًا، ومع ذلك لاأتوقف لشرائها أبدًا. أتذكر أنها كانت لاتنفذ من حقيبتي الأثيرة –التي تفارقني وتعود كالتائب إلي ربه- فدومًا كتيبة جديدة تلحق أخري تحتضر. أبي احتاجها أكثر من مرة .. مرة لجرح في اصبعه بسبب تقطيع السلطة، ومرة بسبب حبّاية تشرع في الانفجار والنزف.

منذ أن قدمت للقاهرة –من أسبوعين تقريبًا- وأنا أفكر يوميًا أني احتاج "بلاستر" لأن صندلي يسبب جرحًا من احتكاكه مع قدمي في مكان مألوف جدًا لجروح الأحذية، رغم أنه –صندلي- ليس جديدًا.

جاهرت بأني احتاج لشراء اللواصق لمّا كان يشتد عليّ الألم، وكنت "أستسهل" فأضع منديلًا لأمنع الاحتكاك والتسلخ طبقة طبقة بين موضع الألم والحزّ الجلدّي.. وأكمل السير. دائمًا ماأكمل السير رغم الألم...

 لاأقصد من الجملة السابقة أي اسقاطات عميقة عن ألم نفسي أو روحي، أتحدث فقط عن ألم جسدي. جسدي ليس شيئًا سطحيًا بالمناسبة، هو أيضًا يستحق أن أتأمل موفقي معه بذاته.

لماذا لم أشتري بلاستر؟ لماذ اسير بأقدام عليها علامات بُنية ثابتة كوشم لجراح المسامير في قدمي المسيح المصلوب؟ ومن دون تضحية حقيقة ..

لو لم يصعد بائعي الرحيم إلي الحافلة ماكنت اشتريتها اليوم، ولكنت مارست سيرًا جديدًا طويلًا بكثير من التقرحات الألم والشكوي. لمّاذا لا أولّي جسدي الاحترام اللائق؟
الجروح المكشوفة خطرة .. اتحاشي أن أحمل جروحًا نفسية مكشوفة طوال الوقت، أهرع للعلاج بشكل هستيري، حتي لو بدت بمنتهي البساطة خدوشًا نفسية لاتحتاج إلا الوقت القليل لتختفي تمامًا . أما جسدي فلا اترفق به. لماذا تملأ قدماي الندوب والكدمات .. ولماذا علي يدي آثار حروق؟ لماذا اُدللــه أحيانًا، وأتوسم منه القوة المبالغة باقي الوقت؟ .. لماذا لم اشتري لواصق طبية طوال الأسبوعين الماضيين مع أني صرفت مبالغ باهظة علي أشياء كثيرة .. وعبرتُ علي عشرات الصيدليات؟

أعطي للبائع الجوّال الذي اختار أن يحمل "لزقات" تضمد الجروح الصغيرة جنيهًا في طريقة عودته لجمع بضاعته. ينزل من الحافلة التي مازالت لم تتحرك. أنظر للورقة التي تضم "الأربعتاشر لزقة" في امتنان .. شكرًا لأنكِ أتيتِ إلي .. شكرًا يارب لأنك تعتني بي حين أهمل نفسي .. شكرًا لشعور "الطبطبة"والتضميد. وشكرًا لجسدي الذي هو –حاليًا- أعظم مني.